د. دوران مقصودوف يكتب: مركز الإمام الماتريدي الدولي يستهدف دراسة تراثه ونشره بين الشباب

من مهامنا الرئيسة .. دراسة تراث الإمام الماتريدي، ونشره بين أوساط الجمهور والشباب.

ضمن أقوال فخامة الرئيس شوكت ميرضيائيف، رئيس جمهورية أوزبكستان: “الكل يُمجد تاريخه، لكن أحدا لا يمكنه العثور على تاريخ يماثل تاريخ بلدنا وأجدادنا،فهم  يجسدون نخبة من عباقرة العلماء، لذا، ينبغى علينا دراسة هذا التراث على نحو أكثرعمقا، ونشره بين أوساط شعبنا، بل وفى شتى أرجاء العالم أجمع”.

 

خلال أربع سنوات تم تحقيق الكثير من الأعمال الكبرى التى تُبرز مكانة وأهمية علمائنا الأجلاء، وإسهامهم في تقديم مختلف الخدمات النبيلة للحضارة الاسلامية، كما جرى دراسة تراثهم العلمي والروحي الثرى، ونقله إلى المجتمع العام بصورة أوسع، خاصة ما يتعلق منه بالجوانب الإنسانية والسلمية للدين الإسلامي الحنيف، وإظهار أهميتها استنادا إلى الأسس العلمية.

 

والشاهد على ذلك يتجلى فى: افتتاح العديد من المراكز المعرفية العلمية لتحقيق هذا الغرض؛ ومنها على سبيل المثال لا الحصر:أكاديمية أوزبكستان الإسلامية الدولية، ومركز الإمام البخاري الدولي للبحوث العلمية، ومركز الإمام الترمذي الدولي للبحوث العلمية، ومدرسة علوم الحديث في سمرقند، وغيرها.

 

ويشمل فى هذا الصدد أيضا القرار الصادرعن فخامة رئيس الدولة بتاريخ 11 أغسطس لعام 2020م، حول افتتاح  مركز الإمام الماتريدي الدولي للبحوث العلمية، والذي يهتم بدراسة التراث الإسلامي وأصوله طبقا للأسس العلمية،لا سيما ما قدمه أجدادنا الأجلاء من خدمات نبيلة في تشكيل الحضارة الإسلامية و نهضتها.

 

ورثة تراث الإمام الماتريدي الجديرون بإرثه:

لقد أقر المجتمع الدولى الإصلاحات الجارية في المجال الديني في بلدنا، كما تم تقدير نتائجها تقديرا عاليا.

 

كذلك فقد بدأ مركز الإمام الماتريدي الدولي للبحوث العلمية  في التعاون المثمر مع منظمة العالم الاسلامي للتربية والعلوم والثقافة (ICESCO) ومركز الأشعري التابع لمشيخة الأزهر الشريف، ومركز الماتريدي في جامعة سلجوق التركية، كما يتعاون مع العديد من المؤسسات العلمية والعلماء والخبراء فى مذهب الماتريدية في أوروبا، وآسيا الوسطى، وأفريقيا، علما بأن دراسة تعاليم العقيدة الإسلامية الصحيحة تعتبر من أهم المواضيع، ليس على مستوى بلدنا فحسب، بل وحتى على مستوى العالم.

 

ومن المعروف أن اجتهادات الماتريدية  في تقرير العقيدة الإسلامية، قد ظهرت في مدينة سمرقند الأوزبكية، ومنها انتشرت فى أرجاء العالم الإسلامي على نطاق واسع، ومن ثم أصبحت الماتريدية تمثل إحدى المدارس الأساسية في المذهب السني، مع نظيرتها المدرسة الأشعرية.

 

وينتشر المذهب الحنفي الماتريدي، الذي يصل عدد أتباعه المسلمين إلى نسبة أربعين بالمائة من تعداد العالم الإسلامي، وفي الكثير من دول العالم الإسلامي، مثل مناطق آسيا الوسطى، وجنوب شرق آسيا، وشمال أفريقيا والشرق الاوسط، وأوروبا وغرب آسيا، ولذلك فهويكتسب أهمية كبيرة فى تلك البلاد.

 

عندما يدور الحديث حول أبي منصور الماتريدي، ينبغى الإشارة إلى سيرته وإبداعه العلمي؛ فطبقا لما تذكره المصادر، وُلد عام 870 ميلادية / 233 هجرية تقريبا، في قرية ماتريد الواقعة  في ضواحي مدينة سمرقند، واسمه بالكامل: أبو منصور محمد بن محمد بن محمود الحنفي الماتريدي، كما تذكر المصادر أن وفاته قد وقعت عام 944 ميلادية / 333 هجرية في مدينة سمرقند، ودُفن بمقبرة “جاكارديزة” الواقعة في ضواحي مدينة سمرقند. وقد تم إعادة تخطيط وتجميل أراضي هذه المقبرة وما يجاورها من المزارات بعد الاستقلال، وأصبحت مزارا يرتاده الناس.

 

يذكر محمود الكفوي صاحب “أعلام الأخيار” وغيره من المصادر، معلومات تفيد حول تاريخ وفاته ومكانه، وتذكر هذه المصادر أن نسبه يرجع إلى الصحابي الجليل سيدنا أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه؛ ولذلك لقب بكنية الأنصاري.

 

كما تتطرق هذه المصادرإلى ذكر بعض التفاصيل حول آثاره ومؤلفاته، والتي من أشهرها: كتاب “التوحيد”، وتفسير القرآن بعنوان “تأويلات أهل السنة” وهي التي وصلت إلينا من آثاره الكثيرة، وقد تم طباعتها كاملة والحمد لله.

 

أما كتبه الأخرى فنذكر منها كتاب: “رد لأدلة الكعبي”، وكتاب “بيان أوهام المعتزلة”، و”الرد على المعتزلة”، و”الرد على القرامطة”، و”الرد على الرافضة”، و”كتاب الجدل”، و”تهذيب الشرائع”، و”رد الأصول لأبي محمد الباهلي”، و”المقالات”. لكن أغلبها–وياللأسف- لم يصلنا بعد، ولا نعلم أماكن وجودها، ويغلب الظن أن تكون محفوظة في خزائن مخطوطات الدول الأخرى .

 

وقد تتلمذ الإمام الماتريدي على يد علماء المذهب الحنفي من أهل السنة والجماعة، والجدير بالذكر أن سلسلة أساتذة الإمام الماتريدي ترجع إلى الإمام أبو حنيفة النعمان، وذلك عن طريق تلاميذه أبو يوسف ومحمد وغيرهما، فبينه وبين الإمام أبي حنيفة طبقتان أو ثلاثة فى بعض السلاسل.

 

كما يؤكد المؤرخون أن من  أوائل الأساتذة الذين تتلمذ على يدهم الإمام الماتريدي  كان العلامة أبونصر العياضي، وهو من كبار علماء عصره، كما تتلمذ على يد العلامة أبو بكر بن إسحاق بن الجوزجاني، والعلامة محمد بن مقاتل الرازي، والذي “كان قاضيا في مدينة الري”، والعلامة نصير بن يحيى البلخي، وغيرهم.

 

قد أخذ هؤلاء العلم من كتب أبي حنيفة نعمان بن ثابت، مثل: “الفقه الاكبر”، و”الفقه الأبسط”، و”العالم والمتعلم” وغيرها.

 

كما تلقى العلم على يد الإمام أبي منصور الماتريدي عدد من التلاميذ، من أمثال أبو القاسم إسحاق بن محمد بن إسماعيل، الملقب بالحكيم السمرقندي،والإمام أبوالحسن علي بن سعيد الرستغفني، والإمام أبومحمد عبد الكريم بن موسى البزدوي، والإمام أبو الليث البخاري، الذين ذاع صيتهم في العالم الإسلامي.

 

وقد أخذ عن هؤلاء عدد كبير من طلبة العلم، برز منهم كبار الأعلام  مثل: فخر الإسلام البزدوي، وأبوالمَعين النسفي، وعمر النسفي، وابن الهمام، وسعد الدين التفتازاني؛ الذين أصبحوا فيما بعد من أبرز علماء المدرسة الماتريدية.

 

تمثل المدرسة الماتريدية جناحا من جناحي أهل الجماعة في علم الكلام وفى العقيدة خاصة؛ لذلك يرجع الناس لرأي الماتريدية وإمامها في المسائل الخاصة  بالعقيدة، ويتعلمون تفسيرها، كما يدرسون  الفقه وأصول الفقه والمسائل الاخرى المتعلقة بالعلوم الدينية، وذلك نقلا عن أئمة تلك العلوم.

 

عاش الإمام الماتريدي في عهد التفاعل الحى والجدل القائم بين مختلف  الفرق فى العالم الإسلامي، فحاول الدفاع عن مذهب أهل السنة والجماعة في مسائل العقيدة، وجمع الناس على الحق في عصره.

 

وعندما ظهر العديد من التيارات والأفكار المخربة والمضللة، التى كان أصحابها لا يتقنون العلوم  الدينية المتعمقة، ويرمون فى أوساط المجتمع بالمسائل الخلافية التي تؤدي إلى التفرقة؛ ومن أمثال تلك الفرق: المعتزلة، والمرجئة، والمشبهة، والقدرية، والكرامية، والجهمية (أو المُعطلة)،حاول أبو منصور الماتريدي  توحيد المجتمع على أساس المذهب الحنفي، والعقيدة السنية؛ ولذلك تبوأ مكانة عالية في العالم الإسلامي، ولُقِّب بصاحب “علم الهدى”، و”إمام الهدى”، و”مصحح عقائد المسلمين”، و”إمام المتكلمين”.

 

وفي يومنا هذا برزت عدة اختلافات باسم الدين من شباب غير ناضج وتيارات غير مؤهلة، ونشأ عن ذلك الفتنة والتعصب والفرقة بين المسلمين، مستخدمين كافة الوسائل في نشر أفكارهم  عبر التكنولوجيا  الحديثة، ومستغلين  شتى وسائل التواصل، مما فرض علينا إعادة الأمور إلى نصابها والقيام بتعليم الناس عقيدة أهل السنة الصافية والبعيدة عن البدع والتعصب.

 

لذلك ينبغى علينا دراسة تراثنا ونشر معارفه، لا سيما معارف العقيدة النقية، وشرح المفاهيم وتبسيط العلوم للناس، تلك التي وردت في كتاب الإمام الماتريدي “كتاب التوحيد”، وكتاب “تأويلات القرآن”؛ حيث يعمل هؤلاء المتعصبون على تحريف الحقائق ورمي أئمة الدين بالباطل، مستخديمن عبارات التكفير والتبديع والتضليل.

 

ويهدف كل ذلك لحماية أمتنا وبلداننا من الأفكار المخربة، مع حاجة أمتنا إليها سواء وجدت هذه التيارات أو لم توجد.

 

لقد أكد العلامة الإمام الماتريدي في قوله “اصنع أداتك من العلم” مشيرا إلى أننا سوف نعمل على تحقيق أهدافنا بالعلم؛ وكذلك سوف نعمل على تحقيق طموحاتنا بالعلم،  حتى نصل إلى تحقيق الهدف المطلوب،  والذى يتبلورفى  تنشئة شبابنا طبقا لتقاليد وعادات الإسلام الحنيف كما جاء على ألسنة الأئمة الكبار المجتهدين مثل الماتريدي، ووفقا لقيمنا، كى نخلق منهم أناسا كاملين، وليس أمامنا سوى المضى فى الدرب الصحيح الذي رسمه لنا أجدادنا، وهو: العلم، بتزويدهم بالمعارف الناضجة؛ ومن هنا يكتسب مركز الإمام الماتريدي أهميته، ومن هنا كان اهتمامنا بنشر معارفه بين الناس، بل بين العالم كله،  ليتعرف الناس على علومنا ومعارفنا وحضارتنا وتسامحنا.

 

ويقوم المركز بتنفيذ المهام الرئيسة التي تتصل بمسائل العقيدة المطروحة غير الصحيحة، وصارمطلوبا تصحيحها وتعديلها على أسس تعاليم الماتريدية، ومع ذلك فمن الضروري البحث فى علم الكلام والتأكيد على أهميته وبحثه ودراسته من الجوانب العلمية التي تعتبر من الوظائف الرئيسة في يومنا هذا. والجدير بالذكر أننا مطالبون بجمع المخطوطات اليدوية والكتب المنشورة، والنسخ الألكترونية المحفوظة والمخزنة في مكتبات بلدنا والبلدان الخارجية ونقلها إلى  أجيال المستقبل.

 

وتساهم الأعمال الخيرة التي تتحقق في المجال الديني والمعرفي، فى  مساعدة شعبنا كى يتمكن من التعرف على تراث أجداده الروحي الغني، آملين فى ذلك أن يظهر منهم في وقتنا الحاضر أمثال: الإمام البخاري، والإمام الترمذي، والإمام الماتريدي.

 

يقوم مركز الامام الماتريدي الدولي للبحوث العلمية الذي تم انشاؤه حديثا، بدراسة التراث العلمي لأحد أكبر  عباقرة العلم في العالم الإسلامي، والذى أطلق عليه ألقاب:”مصحح عقيدة المسلمين”، وصاحب “علم الهدى”:أبو منصور الماتريدي، كما يقوم المركز بدراسة مصادر العقيدة المتعلقة بتراث الماتريدية، ونشرها بين أوساط الشباب والمجتمع العالمي على نطاق أوسع، لا سيما، توضيح المسائل العقائدية الشائكة وتصحيح المفاهيم الخاطئة.

 

الكاتب .. الدكتور دوران مقصودوف مدير مركز الإمام الماتريدي الدولي للبحوث العلمية

مركز الإمام الماتريدي في أوزبكستان
زر الذهاب إلى الأعلى