ما حقيقة تجنيد «أكراد عراقيين» في حرب أرمينيا ضد أذربيجان؟

كتب – هادي جلو مرعي:

عانى العراق والعراقيون الأمرين من تواجد أجانب قاتلوا مع التنظيمات ألإرهابية تم استقدامهم الى العراق بواسطة التنظيمات الإرهابية وفي بعض الأحيان بمساعدة حكومية وأمنية من بعض الدول إقليمية. وهذا ما حصل ليس مع العراقيين فحسب بل حصل كذلك مع سوريا وليبيا ودول أخرى.

هل يحق للعراقيين الان ان يرضوا بان يكون هنالك مرتزقة ممن يحملون الجنسية العراقية بعضها يتقاضى رواتب من الحكومة العراقية بل بعضهم حتى مسجل ضمن مؤسسة ألحشد ألشعبي وتقاتل بالنيابة عن اي دولة في اية دولة أخرى.

في الأيام الأخيرة  انتشرت في وسائل الإعلام الأجنبية ولاسيما في الأذربيجانية  أخبار تتعلق باستقدام  مقاتلين منسوبين إلى حزب العمال الكردستاني  من المواطنين  العراقيين والسوريين إلى أرمينيا ومن ثم نشرهم على الأراضي الأذربيجانية في قرباغ والتي تحتلها أرمينيا. تواردت هذه الأخبار في عدد من المنشورات الأجنبية  بما فيها في مقال  على الموقع الإخباري المصري CAIRO24 . وتشير هذه المعلومات إلى أن الحزب المذكور يضم بعض المقاتلين الأيزيديين من العراقيين وكذلك بعض الأكراد السوريين يتم نقلهم بطريقة سرية الى أرمينيا. كما تشير المعلومات إلى ضلوع الدبلوماسيين الأرمن في استجلاب الشباب العراقيين الأيزيديين الى منطقة النزاع في القوقاز.

الآن أصبحت أذربيجان وأرمينيا في حالة حرب اثر التصعيد المتزايد الذي بدأته القوات الأرمينية على الحدود الأذربيجانية – الأرمينية منذ  تموز الماضي وأدت الى اندلاع الحرب القائمة حاليا . وعلى ضوء هذه التطورات تثير مسألة تجنيد مواطني العراق للنزاعات الخارجية قلقاً دوليا بالغاً.

احتلال قره باغ

لقد نشب النزاع بين أرمينيا وأذربيجان في أواخر الثمانينات من القرن المنصرم حيث ساق الأرمن مزاعم بحق منطقة قره باغ الأذربيجانية. بعد انهيار الإتحاد السوفيتي واستقلال أذربيجان وأرمينيا عنه نشبت حرب ضروس بين البلدين.

شاركت أرمينيا التى كانت على جهوزية عالية  عسكرياُ وبدعم من المنظمات (الأرمينية الإرهابية التي كانت مدعومة من الاتحاد السوفييتي السابق) في الخارج وأساسا في لبنان وسوريا والولايات المتحدة مثل الجيش السري الأرميني لتحرير أرمينيا و هينجاق وتاشناق ستون  توجهت الى قره باغ وشاركت في الحرب ضد أذربيجان.

لقد احتل المسيحيين الأرمن بدعم من القوات العسكرية الروسية منطقة قره باغ والمحافظات الأذربيجانية السبعة المحيطة بها في أوائل التسعينات. وفي فبراير عام 1992 استولت القوات الأرمينية على مدينة خوجالي حيث قتلت بلا هوادة  613 شخصاً  من النساء والعجائز والأطفال في ليلة واحدة.

لقد تبنت الأمم المتحدة اربع قرارات عام 1993 بشأن الانسحاب من كافة الأراضي  الأذربيجانية المحتلة  الا ان أرمينيا لم تلتزم بها.

كما طالبت منظمة التعاون الإسلامي التي تضم 57 بلداً اسلامياً من خلال قراراتها في أكثر من مرة أرمينيا بالإنسحاب من الأراضي الأذربيجانية المحتلة. بيد أن ارمينيا  التى احتلت 20 بالمئة  من أراضي أذربيجان  اهملت كل هذه المطالب الدولية وحاولت ولا تزال جاهداة الحصول على تأييد بعض الدول الإسلامية. تأتى هذه المحاولات عبر لوبيات الجاليات الأرمينية المتواجدة في الدول الإسلامية والعربية.

تحالف الأرمن وحزب العمال الكردستاني بدعم سوفيتي

اما في العراق ومنذ عهد صدام حسين البائد تمت إقامة تحالف بين المنظمات الأرمينية الدولية وبين مقاتلي حزب العمال الكردستاني برعاية الاستخبارات السوفيتية. و هناك تقرير وكالة الإستخبارات المركزية في تاريخ 11.08.1978 يتضمن معلومات مفصلة  ” الميلشيات الأرمينية اليسارية الثورية ” حصل عليه مكتب التحرير لدينا. تعود جذور تعاون المنظمات الأرمينية وحزب العمال الكردستاني الى فترة ما بين عامي 1970 -1980 . كما تعاون الجيش الأرميني السري لتحرير أرمينيا الذي تم تأسيسه ابان الحرب اللبنانية التى اندلعت عام 1975 عن كثب مع منظمة حزب العمال الكردستاني منذ سنوات طويلة. تم بناء هذه العلاقات من قبل  الاستخبارات السوفيتية التى كانت تدعم صدام حسين من طرف والمنظمات الإرهابية اليسارية من طرف اخر.

من الجدير بالذكر ان الاجتماع العلني بين الجيش السري الأرميني لتحرير أرمينيا وحزب عمال الكردستاني انعقد عام 1980 في مدينة صيدا اللبنانية. تعاونت كلتا المنظمتان بصورة مشتركة  وقتئذ نظراً لهدفهما الرئيسي المركز على تركيا. ولكن في اواخر الثمانينات علقت منظمة “آسالا” شكلياً نشاطها  و تقوقع بعض أعضائها  داخل صفوف حزب العمال الكردستاني عن طريق التنكر وبتوجيه من  المخابرات السوفيتية “ك.ج.ب.”

ما ذا تريد أرمينيا التى قتلت الأكراد من حزب العمال الكردستاني؟

استمرت هذه العلاقات بعد نيل أرمينيا استقلالها. على سبيل المثال ، في أبريل 2019 ، تم تأسيس مجموعة أرمينية تسمى كتيبة نوبار أوزونيان الارمنية في سوريا كجزء من قوات سوريا الديمقراطية (SDF) التي أنشأها الأكراد السوريين  الهدف الرئيسي من هذه الكتيبة هو جذب المقاتلين الأكراد كقوة مدربة في قره باغ المحتلة من قبل الأرمن.

وهكذا ، على مدى السنوات العشرين الماضية ، نقلت أرمينيا عددًا كبيرًا من الأرمن من الشرق الأوسط إلى الأراضي المحتلة في أذربيجان ، وكذلك الأكراد الذين يعانون من صراعات مختلفة في الشرق الأوسط.

فيما يتعلق باستئناف التوترات على الحدود الأرمينية الأذربيجانية في الأشهر الثلاثة الماضية ، نقلت سلطات يريفان 800 أرمني من لبنان إلى أرمينيا “باسم إنقاذ ضحايا تفجير بيروت”. يُعتقد أن معظم هؤلاء الأرمن هم أعضاء في منظمة ASALA الإرهابية المتموضعة في قره باغ الأذربيجانية والتي تحتلها أرمينيا وتم جلبهم بهدف المشاركة في حرب جديدة محتملة. هذا الشرط – أي التجنيد في الصراع مع أذربيجان – مفروض أيضا على الأكراد الذين تم إحضارهم إلى كاراباخ تحت غطاء “الإنقاذ من منطقة الحرب”. الا ان أكراد أذربيجان لم يسلموا من بطش وعدوان قوات الاحتلال الأرمني في حرب قره باغ  وفقًا لمنظمات حقوق الإنسان الدولية ، قُتل أكثر من 5000 مواطن أذربيجاني من أصل كردي على أيدي القوات المسلحة الأرمينية خلال الحرب بين أرمينيا وأذربيجان.  يؤلف الأكراد  جزءاً كبيراً  من سكان منطقة كلبجار الأذربيجانية المحتلة من قبل أرمينيا، ولقد  تعرضوا هم ايضا  للتشريد الجماعي على يد الأرمن وخسروا الكثير من الأرواح جراء العدوان الأرمني مثل بقية السكان الأذريين، كما تم تدمير 12 قرية كردية في محافظة لاتشين.

بالإضافة إلى ذلك ، على مدى السنوات العشرين الماضية ، تمكنت أرمينيا من إخلاء الأكراد من أراضيها. بينما كان الآلاف من الأكراد يعيشون في أرمينيا خلال الحقبة السوفيتية ، توجد الآن مجموعة صغيرة جدًا من الأكراد اليزيديين فيها. كما تم ترحيل مجموعات اخرى من اكراد أرمينيا بصورة ممنهجة لاحقاً. في الوقت الحاضر ، يتألف 98٪ من سكان هذا البلد  من الأرمن. وفقط بقي 1٪ منهم من الأكراد.

الإصطياد الخطير للبشر في العراق؟؟؟؟؟

مرة أخرى اندفعت أرمينيا التى  تلقت سراً وعلناً دعماً وسلاحاً من بعض الدول  لمغامرة تجنيد الإرهابيين في محاولة منها للوقوف في وجه أذربيجان التى ترغب في تحرير أراضيها. تستخدم أرمينيا عامل الرهاب التركي في الترويج لهذا النشاط. وبالتالي ، من أجل تحييد الدعم الروسي لأرمينيا ، تتعاون أذربيجان مع تركيا، التي لها علاقات عرقية مع أذربيجان و تتلقى دعمًا عسكريًا حكوميا منها. ولذا  فإن البروباغندا الأرمنية تروج له باعتباره غزو تركيا للقوقاز ويشجع القوات المعادية لتركيا على فتح جبهة ضد أذربيجان.

اقامت حكومة أرمينيا  بالإضافة إلى أنشطتها في سوريا من خلال طوابير بعضها سري وبعضها علني الكثير من الاتصالات الفعالة مع عناصر حزب العمال الكردستاني في العراق.

استرشادً بهذا المنطق اقامت أرمينيا هذا الصيف اتصالات مع المنظمات الكردية بواسطة سفيرها في العراق هراتشيا بولاديان حيث توصلت الأطراف المعنية الى اتفاق بشأن انتشار مسلحي التنظيم الإرهابي الكردي في ناغورنو قره باغ ويعتقد أن الجانب الأرميني استخدم في هذه الاجتماعات خطاب النضال المشترك ضد تركيا لأجل جلب مقاتلي حزب العمال الكردستاني في القتال في قره باغ، إلا أن هذا النشاط يشكل خطراً على العراق لأسباب عدة.

أولا ، إن مشاركة المواطنين العراقيين في الحرب الأرمينية على أذربيجان ، وضلوعهم في  الأعمال الإرهابية  والعنف ضد الشعب الأذربيجاني المسلم وصمة عار على اسم الشعب العراقي والصداقة العراقية الأذربيجانية.

ثانياً ، إن تورط المواطنين العراقيين في الصراع ضد المدنيين الاذربيجانيين والذين يعانون من الأعمال الدموية للإرهابيين المرتزقة على الساحة الدولية ، قد يضعف موقف سياسة العراق الخارجية.

ثالثًا ، أذربيجان بلد له روابط تاريخية وثقافية ودينية وكذلك سياسية واقتصادية مع العراق. ولقد دعمت أذربيجان دوماً العراق في المحافل الدولية. يزور عشرات الآلاف من الأذريين سنوياً العتبات المقدسة في العراق ذات الأغلبية الشيعية ، ويشاركون في المسيرة الأربعينية. تتمتع أذربيجان القوية اقتصاديًا بعلاقات تجارية ملحوظة مع العراق وحتى مع إقليم كردستان في شمال العراق، وقد تؤدي مشاركة المواطنين العراقيين في الحرب ضد أذربيجان إلى إلحاق ضرر خطير بهذه العلاقات.

أخيرًا ، نظرًا لاستنكار وإدانة قيادة الإدارة الكردية في شمال العراق  أنشطة حزب العمال الكردستاني في العراق ، اذا تأكدت مزاعم نقل اعضاء حزب العمال الكردستاني الى الأراضي الأذرية المحتلة – كما تدعيه وسائل الإعلام – خصوصا بعد تاكد معلومات من جهات رسمية في سنجار عن اختفاء مئات الشباب العراقي الأيزيدي وعوائل هؤلاء الشباب بصدد تقديم شكوى الى الجهات الامنية والقضائية ضد حزب العمال الكردستاني ،  فقد يكون ذلك ذريعة لممارسة ضغوط جديدة على العراق وتشجيع الحكومة التركية على الاستمرار في عملياتها العسكرية شمال العراق.

في هذا الصدد ، يجب التحقيق بجدية في أنشطة السفير الأرميني ، الذي يُزعم أنه يتصرف بشكل مخالف للأعراف الدبلوماسية في العراق ، ويجب اتخاذ إجراءات جدية إذا تأكدت الحقائق.

إن الشعب العراقي بمسلميه ومسيحيه ويزيديه وباقي طوائفه الدينية والعرقية ، الذي عانى من الإرهاب والاحتلال لسنوات عديدة ، لا يمكنه أن يدعم الحرب العدوانية ضد الشعب الأذربيجاني. على العكس من ذلك ، يجب على العراق أن يتضامن مع الشعب الأذربيجاني. لهذا السبب ، من الضروري أن تقوم الجهات المختصة بالتحقيق في الموضوع و أن تقدم توضيحات بالأمر وتحقق فيما اذا شارك مواطنو العراق والمنظمات العاملة في هذا البلد في هذه العملية وايقاف هذه التحالفات الدولية العسكرية على الأراضي العراقية.

زر الذهاب إلى الأعلى