يحيى عطية غازي يكتب: أبناء العربية أعداؤها

اللغة العربية لغة اتفق أهلها على إهمالها وتضييعها والتحول عنها في جميع أمرهم، هي لغة أهلها غرباء عنها وهي عنهم غريبة، لغة لا يتكلمها أهلها؛ لأنهم اتخذوا اللغات الأخرى مصدرا للتفاخر والتيه سواء في كلامهم أو تعليمهم.

أصبح أبناء العربية تابعين لغيرهم، ومن ثم أصاب كلامهم مسخ كريه، ولا أزايد حينما أقول إنهم سهلوا مهمة أعداء العربية بأن جعلوا لغتهم غريبة في أوطانهم، ونجح أعداء العربية والإسلام في أن يجعلوا أبناء العربية يكرهون لغتهم وينظرون لها على أنها أقل اللغات، ويسخرون من الذين يتكلمون بها، بل إننا نرى من أبناء جلدتنا من ينادي بإحلال العامية بديلا للفصحى، واستعمالها في الكتابات الرسمية، ضاربين بمكانة العربية ومنزلتها عرض الحائط؛ ولذلك انتشر الجهل الديني وفساد الأخلاق.

ولكن هؤلاء جميعا جهلوا حقيقة العربية بأنها لغة حفظها الله ـ تعالى ـ؛ حيث أنزل كلامه وقرآنه إلى الأرض بها، وفي هذا إشارة إلى عظمة هذه اللغة، وأمر من الله لكل من أراد أن يدخل الإسلام ويقرأ عنه أن يتعلمها، هم يريدون أن يطفئوا نور العربية بأفواههم وأقلامهم ومكرهم ولكن الله يأبى إلا أن تنتشر وتتجدد وتقاوم طغيانهم وجهلهم.

فبقاء العربية قوية بهية جليلة جميلة حقيقة ثابتة، ولذلك سيطر الإعجاب على كثير من المستشرقين حتى قال أحدهم في وصفها: “مثل (فينوس) ولدت كاملة الجمال، واحتفظت بجمالها وكمالها مع تعاقب الأزمان وتطاول الخطوب، وقد مرت بأزمان طويلة كانت في عصور بهائها ممتلئة حيوية، وواصلت طريقها في ضعف بعض الوقت، ولكن حيويتها كانت كامنة فيها، وحين نهضت من ضعفها عادت ـ كما كانت ـ كاشفة عن فنونها وفتنتها وسحرها، وواعدة بمستقبل مشرق”.

لذلك أرى أن أبناء العربية هم السبب الأول في ضعف انتشار اللغة، فبقاء اللغة ورقيها ينهضان على أمرين متكاملين مجتمعين لا ينفصلان كما يقول أستاذنا الجليل الدكتور فتحي جمعة ـ رحمه الله ـ في كتابه اللغة الباسلة:

 أحدهما: رقي الأمة وسعيها الدؤوب أن تكون في طليعة الأمم علما وثقافة ومدنية.

والآخر: حرص هذه الأمة على لغتها، واعتزازها بها، وإدراكها لضرورتها الواجبة في صنع الحضارة؛ ولهذا لا ترقى لغة في أمة غير راقية ولو رغبت في ارتقاء لغتها؛ لأن ارتقاء اللغة بارتقاء أصحابها رهين.

ومن هنا أؤكد أهمية العربية في حفظ هوية الأمة، وارتباط أبناء الأمة بوطنهم، فاللغة هي الأساس في زرع الوطنية والعزة والمروءة في نفوس أبنائنا؛ لأنها الوسيلة التي تربط بين أبناء الوطن الواحد والأمة الواحدة، بها يفكرون ويتواصلون ويبنون مجدهم وتقدمهم.هي مظهر السيادة والريادة لوطننا، فإذا ضاعت اللغة ضاعت الهوية والريادة والسيادة، وأصبحنا أمما شتى داخل أمة واحدة.

ومما يغضبني ولا أعلمه في أمة من الأمم انتشار مدارس التعليم مختلفة الثقافة والهوية، فهذا طالب يدرس في الشهادة الأمريكية وهذا في البريطانية وهذا في الألمانية وآخر في الفرنسية والكندية واليابانية، كل هذا التفرق صنعناه بأيدينا ونشرنا الفرقة والانقسام بين أبنائنا، وهذا لا يحدث في أمة راقية بل نجد الغرب يعتزون بلغتهم فلا يدرسون لغة أخرى لأبنائهم قبل أن يتقنوا لغتهم الأم؛ لأنهم يعرفون قيمة اللغة في التواصل ومحاربة الجهل والإرهاب والفقر والفساد، ولا أعرف أين أساتذة التربية من هذا كله؟!، ولا يعتقد أحد أنني ضد تعلم اللغات ولكنني أنادي بأن يكون ذلك في إطار محدد لا يهدم وطننا ولا يهدم عقول أبنائنا.

أقولها لكم جميعا من أراد أن يثقف أبناءه فعليه بالعربية، ومن أراد أن يعلمهم الرجولة والشهامة فعليه بالعربية، من يشتكي عقوق أبنائه فعليه بالعربية، يقول الدكتور طه حسين: “إن الذي لا يقدر على لغته العربية ليس ناقص الثقافة فحسب ولكنه ناقص المروءة أو ناقص الرجولة”، وإذا أردتم أن تحاربوا الإرهاب والجهل فعلموا أبناءكم العربية؛ فلا فهم للإسلام وشريعته دون تعلم العربية. وفي النهاية أقول كما قال الشاعر:

لا تلمني في هواها *** إذ جرى دمعي فداها   

 أيقظت حسي وفكري  *** مذ لثمت الفاه فاها

قد شكوت الله فيها    *** وهو من ترب براها

يا إلهي يا معيني    *** ليس إلاها أراها

زر الذهاب إلى الأعلى