قال علي عليه السلام مخاطبا أهل الكوفة:
إذا أنا خرجت من عندكم بغير رحلي وراحلتي وغلامي فأنا خائن.
في تراث المسلمين عديد الروايات عن سلوك قيمي وأخلاقي لقادة وولاة ورجال حكم وقضاء وإدارة، وهي روايات تصلح لتكون مرجعا للباحثين في سلوك من يدير شئون الناس، ويفصل في قضاياهم، ويحكم بينهم، ويقدم لهم الخدمة الواجبة عليه، والناس لا يعذرون بل ينظرون في سلوك المسئول ويقيمونه، فإذا رأوا منه عزما وجهدا في خدمتهم لا يغضوا الطرف عنه، ولن ينكروه لأنه سيكون واضحا للعيان، ويكون أثره على الأرض، فالخدمات العامة، والجهد الذي يبذل في الشارع، ويسهل حياة المواطنين العاديين، ويكون محمودا لهم، ومنهلا للصدق والإخلاص والأمانة، فيثنون عليه، ويشكرون جهده.
والأمانة هي التي تكشف للناس معدن المسؤول الأمين فهو من يرعى مصالح الناس، ويسهر على توفير الخدمات لهم في أوقات الليل والنهار، ويعوضهم عن سوء إدارة من سبق، ويحارب فساد الصغير والكبير في المؤسسة التي يديرها، ويحمل موظفيه ومعاونيه على أن يعملوا للناس، وليس لأنفسهم، فإذا قدم المسؤول مصلحته الشخصية على مصلحة المجموع خسر الجميع، فهو لن ينجح، ويخرج مذموما من جهة، ولن يحصل الناس على حقوقهم من جهة ثانية، فتصيب الخسارة الجميع، ولاتستثني أحدا، ولاتتجاوزه، بل تكاد تلتصق فيه.
مستذكرا عدل وقضاء وأمانة السلف الصالح من المسلمين صديق لي لاأشك في فراسته، وكان غالبا لايجيبني حين أسأله عن سيرة مسؤول حذرا عبر لي عن سعادته بأحد كبار المسؤولين في بغداد الذي دخل مكتبه، ولامطمع له في صفراء، ولاحمراء، وهو عازم على ترك منصبه كما جاء نقيا تقيا حاملا حقيبته وجهازه اللوحي ليكون مختلفا عن غيره من المسؤولين الذين غرتهم الحياة الدنيا، وفكروا في الأموال والأملاك والعقارات والأرصدة، وإنشغلوا بها عن مصالح الرعية وحاجاتهم، وما وظفوا للقيام به من أعباء، ويرى هذا الصديق ويشاركه آخرون الرأي أن هذا المسؤول سيفعل الكثير، وسيترك أثرا، ولن تغره الدنيا وزينتها متسلحا بالأمانة والإخلاص والمهنية العالية والعلمية التي تطبع تفكيره وسلوكه وإدارته لشؤون المؤسسة، وتلبيته لحاجات الناس.
أخيرا لايزكي الأنفس إلا الله.