كونول نوراللهييفا تكتب: أذربيجان تسعى لاستعادة السلام الدائم في المنطقة

تعد منطقة “قراباغ” إحدى أقدم الولايات التاريخية الأذربيجانية، وارتبط اسمها بالعديد من الأحداث المهمة في تاريخ أذربيجان. وتتكون البنية الاشتقاقية لكلمة “قراباغ” في اللغة الأذربيجانية من الكلمتين “قرا” (أي اللون الأسود أو كثيف) و”باغ” (تعني الحديقة)، أي أن”قراباغ” تعني “الحديقة الكبيرة” أو “الحديقة الكثيفة”.
لقد كانت منطقة “قراباغ” جزءًا من الدول الأذربيجانية المختلفة التي أقيمت عبر العصور حتى غزو الإمبراطورية الروسية في أوائل القرن التاسع عشر. وأصبحت إمارة “قراباغ” تحت حكم الإمبراطورية الروسية بموجب معاهدة “كوراكشاي” في 14 مايو 1805 المبرمة بين أمير “قراباغ” إبراهيم خان وممثل الإمبراطور الروسي “سيسيانوف”، ولا توجد كلمة واحدة عن الشعب الأرميني في تلك الاتفاقية. لأن الشعب الأرميني لم يكن هناك حينها.

وكان الهدف من هذا واضحًا، وهو تغيير التكوين الديني في الأراضي الجديدة للإمبراطورية، وطرد المسلمين من أراضي أجدادهم، وتشريدهم وخلق واقع جديد. ويعد إقليم “قراباغ” الجبلية أحد المراكز السكنية والثقافية القديمة الأذربيجانية. وفي عام1923م، تم إنشاء ولاية “قراباغ” الجبلية ذات الحكم الذاتي في الجزء الجبلي من “قراباغ” على مساحة 4400 كيلومترمربع.
وفي أواخر عام 1991م وأوائل عام 1992م، بدأت المرحلة العسكرية لنزاع “قراباغ” الجبلية بين أرمينيا وأذربيجان. وشنت أرمينيا عمليات عسكرية في “قراباغ” الجبلية بمساعدة عسكرية أجنبية مستغلة عدم الاستقرار السياسي الناجم عن تفكك الاتحاد السوفيتي في أذربيجان آنذاك.
اُحتلت في مايو 1992م مدينة “شوشا” ومحافظة “لاتشين” الواقعة بين أرمينيا و”قراباغ” الجبلية. وفي عام 1993م احتلت القوات المسلحة الأرمينية ست محافظات أذربيجانية أخرى حول “قراباغ” الجبلية؛ وهم “كالباجار” و”آغدام” و”فضولي” و”جبرايل” و”قوبادلي” و”زانجيلان”.
ونتيجة لنزاع “قراباغ” الجبلية بين أرمينيا وأذربيجان، تم تهجير أكثر من مليون أذربيجاني، وتوفي 20 ألف شخص خلال العمليات العسكرية، وأصيب 50 ألفًا بإعاقة. وقد أسفر هذا الصراع عن فقدان ما يقرب من أربعة آلاف أذربيجاني؛ من بينهم 67 طفلاً و265 امرأة و326 مسناً. ولا يزال مصير هؤلاء الأشخاص مجهولا. وتم أسر واحتجاز أكثر من ألفين أذربيجاني على يد الأرمن.
وارتُكبت في فبراير 1992م مجزرة غير مسبوقة ضد السكان الأذربيجانيين في مدينة “خوجالي”. وقد أسفرت هذه المأساة الدموية المعروفة بمذبحة “خوجالي” عن مقتل أو أسر آلاف الأذربيجانيين،وتدمير المدينة بالكامل.
وقد تبنى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في عامي 1993م -1994م أربعة قرارات (أرقام 822، 853، 874، 884)تدعم انسحاب القوات الأرمينية من أراضي أذربيجان ووحدة الأراضي الأذربيجانية، ولكن لم يتم تنفيذ أي منها.

وفي 12 مايو 1994، تم التوقيع على بروتوكول وقف إطلاق النار بين أرمينيا وأذربيجان.وبدأت اللقاءات بين الطرفين بوساطة من الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا. وأيدت أذربيجان دائما الحل السلمي للنزاع. ومع ذلك، لم تسفر محادثات السلام عن أية نتائج بسبب نهج أرمينيا غير البناء. وعلى الرغم من عدم وجود أساس قانوني موثوق في القانون الدولي يعطي الحق في انفصال أي منطقة من دولة عن هذه الدولة.
فقد بنت أرمينيا مطالبها الانفصالية على مبدأ تقرير المصير. ومع ذلك، فإن وثيقة هلسنكي النهائية تنص أيضًا على أن مبدأ تقرير المصير يجب ألا يتعارض بأي حال من الأحوال مع مبدأ وحدة الأراضي. بالإضافة إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فقد تبنت كل من الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، والجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، ومنظمة حركة عدم الانحياز، ومنظمة التعاون الإسلامي، والبرلمان الأوروبي ومنظمات أخرى قرارات تدعم وحدة أراضي أذربيجان وحرمة حدودها.
لقد جرت العديد من اللقاءات بين طرفي النزاع قبل العملية العسكرية التي بدأت في 27 سبتمبر من العام الحالي،وبُذلت محاولات لجلب الأطراف إلى طاولة المفاوضات على مستويات مختلفة. وسعت أرمينيا دائما إلى تعزيز “الوضع الراهن” في منطقة النزاع من خلال تعطيل عملية المفاوضات والقيام باستفزازات في الخطوط الأمامية، وذلك عشية الاجتماعات التي كانت تعقد بين الطرفين في مختلف البلدان بوساطة الرؤساء المشاركين لمجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
إن المناوشات التي وقعت في بداية أبريل 2016 وكذلك العمليات العسكرية التي حدثت في اتجاه منطقة “طاوز” على الحدود الأذربيجانية الأرمينية في يوليو 2020 جاءت بمثابة ردا على الاستفزازات الأرمينية. كما كان الحال أيضا في العمليات العسكرية التي وقعت مؤخرا في السابع والعشرين من سبتمبر 2020 فكانت ردا على الاستفزازات التي شنتها أرمينيا، لذلك استخدمت أذربيجان حقها السيادي وبدأت في التصدي للهجمات الأرمينية.
ويقوم الجيش الأذربيجاني -من خلال تحرير أراضيه من الاحتلال- بتنفيذ قرارات مجلس الأمن (أرقام 822، 853، 874، 884) غير المُنفذة بسبب سياسة أرمينيا غير البناءة والمعايير المزدوجة للمجتمع الدولي.
وعلى الرغم من محاولة أرمينيا جلب طرف ثالث في النزاع خلال هذه الفترة، وذلك توسيع النطاق الجغرافي للنزاع، فقد فشلت في الحصول على الدعم الذي كانت تتوقعه، ولاسيما من “منظمة معاهدة الأمن الجماعي” التي هي عضو فيها.

وأيدت الدول الأعضاء في “منظمة معاهدة الأمن الجماعي” قضية أذربيجان العادلة، معللة ذلك بأن “الحرب لا تقع على أراضي أرمينيا”، كما أن ادعاءات أرمينيا بشأن جلب أذربيجان لمرتزقة في العمليات العسكرية لا أساس لها من الصحة، لأن أذربيجان لديها جيش ذات جاهزية عالية، واحتياطي من الجنود كبير جدا. ووفقًا للترتيب الذي تنشره بشكل دوري الوكالات المعنية بتقييم الإمكانات العسكرية للدول، يأتي الجيش الأذربيجاني من بين أفضل 50 جيشًا على مستوى العالم.
وعلى الرغم من اتفاق الطرفين على وقف إطلاق النار ثلاث مرات لأسباب إنسانية خلال العمليات العسكرية، قتلت أرمينيا بأسلحة محظورة دوليا المدنيين في مدينتي “غنجة” و”بردا” التي تقعا على بُعد مسافة بعيدة عن منطقة النزاع.
وبصفة عامة منذ بداية أحداث 27 سبتمبر 2020، قتل الأرمن 90 مدنيا أذربيجانيا وجرح 392 شخصا؛ ومن بين المدنيين الذين قتلوا وجرحوا على يد الأرمن مواطنون أذربيجانيون من أصل روسي وأرميني.
إن قصف القوات المسلحة الأرمينية للبنية التحتية المدنية الأذربيجانية بالصواريخ، وقتل المدنيين بأسلحة محظورة تعد جرائم حرب وانتهاكا للقانون الإنساني الدولي، ولا سيما اتفاقية جنيف لعام 1949 وبروتوكولاتها الإضافية. وستتم محاسبة أرمينيا على هذه الجرائم أمام القانون الدولي.
وتناضل أذربيجان من أجل وحدة أراضيها، ويرتبط وقف الأعمال العسكرية القائمة حاليا على الإرادة السياسية للقيادة الأرمينية، وتحقيقا لهذه الغاية، يتعين على الجانب الآخر تزويد أذربيجان بجدول زمني للانسحاب من الأراضي المحتلة،ووفقا لقرارات مجلس الأمن المعروفة.يجب على القيادة السياسية لأرمينيا الموافقة على التعايش السلمي بين الأرمن والأذربيجانيين في “قراباغ” الجبلية ووضع حد لمحاولات تدويل النزاع.فقد صرحت القيادة الأذربيجانية أن المدنيين الذين يعيشون في “قراباغ” الجبلية هم مواطنون أذربيجانيون من أصل أرميني.
وستواصل أذربيجان معاملة المواطنين من أصل أرميني بنفس الطريقة التي يعامل بها المواطنون الإثنيون الآخرون الذين يعيشون على أراضيها، وذلك بوصف أذربيجان دولة متعددة الأعراق والثقافات على مر العصور. مثلما يعيش عشرات الآلاف من الأرمن في أذربيجان في سلام وأمن منذ سنوات عديدة.
الكاتبة – عضو في البرلمان الأذربيجاني، وعضو الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، وعضو المجلس التنفيذي للاتحاد الرياضي للتضامن الإسلامي، وممثلة أذربيجان في منظمة القيادات السياسية النسائية.