فاطمة شاكر تكتب: مكانة الشاعر الأذربيجاني علي آغا واحد

إذا أردت أن تفهم شعبًا عليك بإتقان لغته، وإذا أردت أن تعرف حاضر هذا الشعب فعليك بدراسة ماضيه أولًا، أما إذا أردت أن تتعمق في دراسة هذا الشعب عليك بالبحث في تاريخه وآدابه.

بالنسبة لي.. وأثناء دراستي للغة الأذربيجانية أردت أن أقترب إلي شعب أذربيجان أكثر وأكثر وأقرأ في التاريخ والأدب والشعر، فالأدب والشعر هما مرآة الشعب، ويعتبر الشعر تحديدًا وعاء لتجارب وثقافة الوطن، حيث يقول ابن قتيبة في كتابه (الشعر والشعراء) موضحًا المكانة الأدبية والشعرية التي يحتلها شعراء أذربيجان: “وليس بالمدينة شاعر من الموالي إلا وأصله من أذربيجان”.

ومن المعروف أن أذربيجان تمتلك تاريخ قوي في مجال الشعر، وأن شعراء أذربيجان أحبوا لغتنا اللغة العربية وكتبوا أشعارهم بها، وقد وضح معلمي الفاضل الأستاذ الدكتور سيمور نصيروف في كتابيه (تراجم أذربيجانية في المصادر العربية) و(جهود علماء أذربيجان في خدمة العلوم العربية)، حجم الترابط القوي الذي يربط شعراء أذربيجان بالعالم العربي، فهناك مئات من الشعراء الأذربيجانيين كتبوا أشعارهم باللغة العربية، كما أن أذربيجان أنتجت للعالم فطاحل الشعراء أمثال: نظامي كنجوى، عماد الدين نسيمي، محمد فضولي “فضولي البغدادي”، وغيرهم من الشعراء الذين تأثروا باللغة العربية واستطاعوا ان يعكسوا تأثرهم باللغة العربية في كتاباتهم وأشعارهم.

وكما قال الشاعر الكبير أبو طاهر السلفي :

بلادُ أذَرْبِيجَانَ في الشّرقِ عندَنا  *** كأندَلُسٍ بالغَرب في العلمِ والأدبْ

فما إن تكادُ الدّهرَ تلقَى مُميَّزاً  ***   من أهلِيهمَا إلاّ وقدْ جدَّ في الطّلبْ

فقد قرن أبو طاهر السلفي في بيتيه هذين بين أذربيجان والأندلس في العلوم والآداب، وقرن بين أهل أذربيجان والأندلس بأنهما تجمعها روح الجدية في الطلب والتفاني في العمل، والجميع يعرف الأندلس وقيمتها العلمية وحضارتها الراقية المرموقة.

أردت أن أتعلم اللغة الأذربيجانية لكي أتقرب إلي شعب أذربيجان الذي جذبني تاريخه الشعري، فأردت أن أتعلم اللغة لكي أستطيع أن أقرء في تاريخ شعراء تلك الدولة، أذربيجان دولة ذات ثراء شعرى يختلف عن جميع الأمم.

عشقت كتابات الشعراء الأذربيجانيين وتمنيت لو في إمكاني أن أحفظ جميع الأشعار، وأثناء رحلتي في القراءة الشعرية توقفت عند شاعر عظيم جليل يعتبره الأذربيجانيون (فضولي عصره)، ويعتبر أمير شعراء الغزل هو الشاعر العظيم علي آغا واحد.

الشاعر الأذربيجاني علي آغا واحد

وأنا أبحث اندهشت من قلة المصادر العربية التي تتحدث عن هذا الشاعر الأذربيجاني الكبير بالرغم من أن أشعاره قيمة جدًا ومليئة بالحس العاطفي والجمال الشعري، فأردت أن أكتب عن هذا الشاعر وما إن أمسكت قلمي حتى تزاحمت الكلمات في ذهني وأخاف من ألا يحالفني الحظ لأجد الكلمات المناسبة للتعبير عمّا بداخلي تجاه هذا الشاعر.

ولد علي آغا واحد، في السابع عشر من فبراير عام ١٨٩٥م في مدينة باكو، لم يتمكن من استكمال دراسته فترك المدرسة بدافع الضرورة وعمل نجارًا، وبسبب عشقه للشعر تمكن من أن يصبح عضوًا في منظمة “مجموعة الشعراء”، وكان يعمل في تلك المنظمة أساتذة الشعر المشهورين وشعراء الغزل، استطاع الشاعر البارز علي آغا واحد  أن يصبح صديقًا لأشخاص مشهورين في مجال الشعر والآدب، حيث تمكن من كتابة العديد من القصائد لدعم الحكومة السوفيتية.

لقد عاش الشاعر الجليل ثلاث فترات سياسية: فترة الإمبراطورية القيصرية الروسية، وفترة جمهورية أذربيجان الديمقراطية، وفترة الإمبراطورية السوفيتية، وتمكن من أن يكشف الستار عن العيوب الاجتماعية والخرافات والقمع والظلم خلال كتابته للقصائد الساخرة ونجح في إظهار النواقص والخرافات الاجتماعية والسياسية بمهارة، كما كتب العديد من القصائد منها: “إلي رفاقي الجنود والعمال”، “ماذا تعني المدرسة؟”، ويعتبر كتاب “نتيجة الطمع” أول كتاب شعري ألفه الشاعر الكبير علي آغا وحيد.

 وخلال الحرب العالمية الثانية، ألف كتابين عن كراهية العدو وحب الوطن والإيمان بالنصر، كما كتب أشعار الغزل الخاصة بالحروب وكان دائمًا وأبدًا يؤمن بأن نهاية الحرب والتعب والمشقة نصرًا كبيرًا ينتظر شعب أذربيجان.

في عام ١٩٤٣م، حصل الشاعر الكبير علي لقب الفنان المكرم المشرف في جمهورية أذربيجان، ويعتبر أستاذًا في الشعر الغنائي والذي يسمي (ميخانه).

 يعد علي آغا واحد ممثلًا بارزًا لشعر الغزل في الأدب الأذربيجاني الحديث، فكان يكتب أشعاره باللغة الأذرية والروسية والفارسية والعربية، تخيل أن تقرأ شعرًا يحتوي علي تعدد لغوي وتعدد في المعاني، فهذا ما ميزه عن أبناء جيله من الشعراء حيث تميزت كتاباته بالبساطة والتراث الشعبي والتناغم في لغتها الشعرية، وتحتل أشعاره مكانة مهمة في ذخيرة المطربين إلي يومنا هذا.

توفي علي آغا واحد، في الأول من أكتوبر عام ١٩٦٥م في مدينة باكو، ولم تكن وفاته حدثًا عاديًا، فقد أثر في قلوب الشعب الأذربيجاني بشدة، وكانت جنازته فاجعة فلم تكن مجرد جنازة بل كانت أشبه بمظاهرة حاشدة، وبهذا تكون قد فقدت أذربيجان واحدًا من أهم شعراء الغزل والتي ستظل أشعاره حاضرة بيننا وباقية إلي الأبد.

الكاتبة.. فاطمة شاكر – طالبة في جمعية الصداقة المصرية الأذربيجانية

زر الذهاب إلى الأعلى