عزمي عبد الوهاب يتمرد على الذات في «غلطة لاعب السيرك» .. بقلم خالد عبد المحسن

ترى أكلنا نسير في هذا المضمار أم أنه خاص بالمبدعين وأصحاب الرسالات والمبادئ يعانون أشد المعانا ة وخطأهم قاتل.

كما قال الشاعر قديمًا: إذا لم يكن من الله عون للفتى     فأول ما يجني عليه اجتهاده

هكذا عنون الشاعر عزمي عبد الوهاب لديوانه وحياته وحياة الكثيرين في إصداره الحديث “غلطة لاعب السيرك” ،متخذا من الشعر والأدب  حياة يحياها وتمنى ألا يحياها  .

يتناول الديوان بقصائده التي تمثل الاتجاه الحديث قصيدة النثر ،لكنها من الطراز الرصين العميق الملغز، سهل التناول والعرض لكنه سهل ممتنع.

لغته مكثفة ،والأخيلة مركبة، والتقنيات متعددة ومتنوعة من قص إلى حوار وحوار داخلي ، من قصيدة مفتتح وأخرى مختتم كمسرحية من مشاهد وفصول أو رواية طويلة ثم خلاصة التجربة والحياة في القصيدة الأخيرة .

والتراكيب اللغوية والمفردات تصدمك لانها  من لغة الحياة اليومية ألبسها الشاعر ثوب الشعر الضافي العذب فصارت أكثر روعة وجمالا وحكمة وشاعرية مثل “غلطة”و”كلمني شكرا “و”عبيطة “و”طبطبة”.

وشعر الديوان يحمل مستويين المستوى المباشر علاقة مبدع بامرأة وصاحبتها  وصديقه المخلص والإبداع وقضاياه .

والمستوى الثاني قد يراه المتلقي والقارئ أن هناك علاقة أعمق وأغزر من رمزية لقضايا كبرى عن الحياة والحب والشعر والحرية والحياة والموت .

وتراه يصرح بأن الحكاية تبدأ دائما بأكاذيب بيضاء لإنشاء علاقة رجل بامرأة ثم تدهمها الذكريات ثم تأتي قصة السيدة التي فقدت زوجها في الحرب التي تحتفل بعيد ميلادها مرتين وعلاقتها بالرجال ثم الرجل العابر وكتابته لقصيدة مهزومة ثم تكتب المرأة قصيدة إيروتيكية ،ونهاية القصة عن علاقة الرجل العابر بالمرأة وزميلتها أكاذيب سوداء.

ويعترف الشاعر بأنه الرجل العابر بأنه الرجل العابر الذي بدأحكايته مع امرأة وزميلتها بأكاذيب بيضاء وانتهت بأكاذيب سوداء فهو العذري الذي سقط في بئر الضحالة القدري المهزوم الذي لم يصمد في معركة الكلام وه كرة الثلج  تتقاذفها أقدام النساء ويصور الكتابة بـ”الندم الأسود “يسعى في الأسواق وفي آخر الليل يؤويه الرصيف.

ويصف نفسه  بصراحة وجرأة قائلا:

أنا الغنائي ..الخاسر ..الضائع المهزوم .. المتردد .. الكسول ..

الشكاك .. الصامت.. الوحيد.. الحزين .. الخائف .. الرمادي

ولاخجل

تبدأ الحكاية وتنتهي ويتمنى كل منا ألا تكون من الأصل ، وياليتها ماحدثت تلك عادة الإنسان ملول بطبعه يزهد مافي يديه .

ويلخص عزمي عبد الوهاب رحلته إنسانا ومبدعا أنه يحب الكتابة ويعرف أن من حبه يحاول ان يجعل من أعماله أعمالا تفوق الخيال لكنه لايحب ذلك يقول:

أنا أحب الكتابة

أريد أن أظل هكذا

أكتب حتى اللحظة الأخيرة

يعرض في القصيدة لحياته وأعماله وعلاقاته دون خجل أو خوف بصراحة تكشف وتعري مخاوفه وظنونه وعيوبه.

علاقته بالعمل والمرأة والناس ورغبته في أن يتحلل من كل هذا ويعود كما كان يموت وحيدا .

ومن خلال عرضه لنقاط ضعفه يعرف أنها قد تستغل ضده لكنه بشجاعة وثقة لا يخشى ذلك، لأنه أعلن في النهاية الزهد وتمنى العزلة أو الرحيل كما ولد لذلك يكره الكتابة وهذا التناقض في حب الكتابة وكراهيتها هو صراع دائر داخل الإنسان بين ما يتمنى ويرغب، وبين ما هو كائن بالفعل .

قد شرح لماذا يكره الكتابة التي هي قدره وقدر المبدعين لأنها هي السبب في موته قد تكون مثلع غلطة لاعب السيرك مع مهارته وإتقانه وانبهار الناس به إذا نظر إلى أسفل سقط فكانت نهايته. يقول:

شاعر مات وحيدا في غرفة شاحبة

وترك قصائد مشوشة تشبهه

أوهم الجميع بأنه انقطع عن العالم والكتابة

وعاش حياته بمهارة لاعب سيرك

لكنه هوى حين نظر إلى أسفل

كأمنية عصية على التحقيق تمنى أن يخرج من هذا العالم نظيفا نقيا قال:

أنا أكره الكتابة

وأريد أن أذهب إلى الموت نظيفا

فقط

أود أن يحمل الأصدقاء المقربون جثتي،

إلى قريتي التي ابتعدت،

ثم يقولون :

“كان ريحًا لم تلوثها أنفاس البشر!”

زر الذهاب إلى الأعلى