«أبو الشمقمق» .. أمير شعراء الهجاء في العصر العباسي بقلم الكاتب يحيى عطية غازي

هو شاعر لا تحب أن تسمعه، صعلوك الهجاء في العصر العباسي، شاعر في ثوب بلطجي، يخاف منه كل من عرفه حتى أقرانه من الشعراء المعروفين بالهجاء.

اسمه ونشأته:

مروان بن محمد من موالي مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية، وقد نشأ في البصرة بالبخارية، وهي كما يقول ياقوت الحموي: سكة فيه، أسكنها عبيد الله بن زياد أهل بخارى الذين نقلهم من بخارى إلى البصرة وبنى لهم هذه السكة فعرفت بهم، ومعنى ذلك أنه من أهل بخارى، قدم بغداد في أيام هارون الرشيد، وقد خالف ابن خلكان الجمهور وقال عنه: الشاعر المشهور الكوفي.

واختلف في سنة المولد والرّاجح أنّه وُلِدَ عام 730م، شهد هذا الشاعر نهاية عصر بني أمية، وعاش بقية حياته في أحضان بني العباس في القرن الثاني الهجري، وقد ورد عن أبي العجاج الشاعر قوله:

رأيت أبا دلامة شيخا كبيرا في أول خلافة هارون الرشيد يخضب، وأبا الشمقمق وأبا نواس وجماعة من الشعراء وهم في منزل أبي العتاهية بالكرخ في الجزارين، ومن ذلك قوله عن إقامته بين البصرة وبغداد:

أنا بالأهواز محزو     **** ن وبالبصرة داري

في بني سعد، وسعد  **** حيث أهلي وقراري

كنيته ولقبه:

يكنى أبا محمد، ويلقب بأبي الشمقمق، والشمقمق معناه الطويل الجسيم من الرجال، وقيل: الشمقمق هو النشيط.

صفاته الشخصية وطرائفه:

كان أهرت الشدقين، منكر المنظر، عظيم الأنف، حاد المزاج، ضيق الصدر، قليل الحيلة، خبيث اللسان، بذيء المنطق، حاقدا، صعلوكا، فقيرا، محروم العطف والحب، منبذوا من الناس، سيء الحظ، بخيلا، ليس عنده رادع ديني أو أخلاقي، غلب عليه اليأس، يعيش منطويا على نفسه، وكان السبب في ذلك فقره؛ فنجده يصف بيته وخلوه من الفئران، وحديثه مع سنّوره؛ لعدم وجود أي شيء تقتات به ، فيقول:

قلت لما رأيته ناكس الرأ       **** س كئيبا، في الجوف منه حراره

ويك صبرا فأنت من خير سنـ  **** ـور رأته عيناي قط بحاره

قال: لا صبر لي، وكيف مقامي   **** ببيوت قفر كجوف الحماره

قلت: سر راشدا إلى بيت جار  **** مخصب رحله عظيم التجاره

طرائفه:

كان من ذلك عندما يدقّ عليه أحد بابه نظر إليه من وراء الباب إن أعجبه فتح له وإن لم يكن سكت عنه، ومن ذلك أيضا ما روي عنه: عندما زاره بعض الرفقة قالوا له: أبشر إنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن العارين من الدنيا هم الكاسون يوم القيامة، فقال: إن صح ذلك كنت أنا في ذلك اليوم بزازا.

ومن المواقف التي تدل على عبقريته وسرعة بديهته ورده ردًّا مسكتا على محاوريه ما ذكره ابن المعتز في طبقاته: أن ابنة عم المنصور ماتت، فحضر المنصور دفنها، فلما صار على شفير القبر إذا هو بأبي الشمقمق، فقال له: ما أعددت لهذا الموضع؟.  قال: ابنة عم أمير المؤمنين. فضحك المنصور في ذلك الموضع. فكان لا يهاب الموت ولا يهاب أميرا أو صاحب منصب، فكان كثير الهجاء لهم.

علاقته بشعراء عصره:

عاش أبو الشمقمق في عصر يزخر بالشعراء الكبار أمثال: “بشار بن برد، وأبي العتاهية، وأبي نواس”، وكان لفقره الشديد الملازم له طوال حياته أثر سلبي في علاقته بالشعراء، مما دفعه إلى التسلط عليهم؛ حيث فرض عليهم “الجزية” فكانوا يدفعونها له عن يد وهم صاغرون، مداراة لسفاهته وسلاطة لسانه.

لازم الإخفاق أبا الشمقمق، فلم يكن صاحب حظوة عند الأغنياء والحكام ـ وهذا الحال يختلف عن أحوال بقية الشعراء ـ لذلك كان يحقد عليهم ويستقصي أخبارهم حتى إذا ما حصل أحدهم على جائزة، قصده أبو الشمقمق عسى أن يتمكن من نيل شيء ولو كان يسيرا جدا، وكان الحاصل على جائزة يعطيه اتقاء لشره ومنعا لهجوه، فكانت علاقته بهم علاقة سيئة، ومثال ذلك علاقته ببشار بن برد، فكان بشار يعطيه في كل سنة مائتي درهم، ومن أراد الاطلاع عى القصة كاملة وعلى غيرها فعليه الرجوع إلى ديوانه ص 17 ـ 18 تحقيق الدكتور واضح محمد الصمد، طبعة دار الكتب العلمية بيروت.

ولم تنج نفسه من الهجاء، فقال:

لو ركبت البحار صارت فجاجا  **** لا ترى في متونها أمواجا

ولو أني وضعت ياقوتة حمـ   **** ـراء في راحتي لصارت زجاجا

ولو أني وردت عذبا فراتا   **** عاد لا شك فيه ملحا أجاجا

شعره:

إن القارئ لشعر أبي الشمقمق يجد ألفاظه جزلة، قوية المعنى، محافظا على عمود الشعر القديم، ويظهر في شعره أيضا السلاسة والتدفق، كما أنه شاعر له حظ وافٍ في جل أغراض الشعر من مدح ووصف وهجاء وحكمة، ومنها قوله:

إذا حججت بمال أصله دنس     **** فما حججت ولكن حجت العِير

لا يقبل الله إلا كل طيبة     **** ما كل من حج بيت الله مبرور

 وكان شعره في الوصف معبرا عن حاله الفقيرة، ومن ذلك قوله في وصف بيته:

فمنزلي الفضاء وسقف بيتي    **** سماء الله أو قطع السحاب

فأنت إذا أردت دخلت بيتي     **** عليَّ مسلما من غير باب

 ومن هذا كله يظهر لنا أن أبا الشمقمق شاعر مجدد في الشعر العربي من حيث الأسلوب والموضوع، كما أنه أعطى قارئه صورة حية عن المجتمع العباسي في مختلف طبقاته الاجتماعية.

قالوا عن شعره:

اختلفت الآراء حول شعره؛ لأنه يجمع بين الجيد والرديء، فابن المعتز يرى أن شعره نوادر كله. أما المبرد فيقول: كان أبو الشمقمق ربما لحن ويهزل كثيرا، ويُجدُّ فيكثر صوابه. وذكر المرزباني أن شعر أبي الشمقمق فيه هجاء كثير، وألفاظه أكثرها ضعيف وربما ندر له البيت. كما قال عنه صاحب العقد الفريد: كان أبو الشمقمق الشاعر أديبا ظريفا محارفا صعلوكا متبرما. وللدكتور شوقي ضيف رأي في أشعاره أنها تسودها روح الشعبية، ولم يملك الجزالة والرصانة ليس لأنه لا يملك موهبة المعاني الأصيلة وإنما لأنه ينظم عفو الخاطر.

أما محقق ديوانه الدكتور واضح محمد الصمد فكان له وجهة نظر أخرى، وهي أنه “شاعر ينظم الموهبة، جنى عليه الإخفاق المستمر من حياته، وإن كان من شعره عدد من الأبيات سخيفا بذيئا”.

وفاته: توفي في حدود الثمانين ومائة هجرية وهذا ما أثبته الدكتور واضح محمد الصمد في تحقيقه لديوان أبي الشمقمق ص14، وقال الزركلي 200هـ/ 815 م ، 7/209.

زر الذهاب إلى الأعلى