هشام الهبيشان يكتب: حقيقة تقارب الرياض وأنقرة.. وبروباغندا الإعلام العربي ؟!

يبدو أن الحديث الأخير عن مشروع تقارب تركي – سعودي، قد أثار قريحة بعض الإعلام العربي، وهنا يبدو أنّ بعض الإعلام العربي، على مختلف توجهاته، ما زال يعاني من عبثية التقاط الأخبار وترويجها، بالإضافة إلى أسلوب عبثي في تحليلها وبناء الأفكار حولها.. «بروباغندا» الإعلام العربي بات يشوبها في الفترة الأخيرة الكثير من التناقضات، وكأنّ هذا الإعلام مُغيّب عن حقائق الواقع المعاش.

إنّ الحديث اليوم عن مشروع تقارب سعودي – تركي، تدعمه وتديره محاور جديدة تتشكل بالمنطقة ، هو أقرب إلى الهزلية منه إلى الواقعية، ذلك أنّ المتابع لطبيعة تشعُّب الخلافات بين نظامين الدولتين، أبعاداً وخلفيات، يستنتج أنه يستحيل، في هذه المرحلة تحديداً، حصول تقارب بين النظامين لأسباب كثيرة، ومهما كانت المخاطر الإقليمية والدولية التي تواجه الرياض وأنقرة، لا يمكن أبداً الحديث عن فرص تقارب، خصوصاً أنّ لكلّ منهما مشروعاً، وكليهما يسعيان إلى بناء نفسيهما كقوتين إقليميتين، ولكلّ منهما ثأر طويل مع الآخر.

تؤكد التطورات أنّ هناك أكثر من ساحة اشتباك سعودي ـــ تركي، تبدأ في ليبيا ولا تنتهي في شمال شرق سورية، كما أنه لا يمكن إنكار حقيقة أنّ تركيا ما زالت تدعم، وبقوة الشراكة مع «الإخوان»، رغم الصورة التي تحاول أن تظهرها بنفض شراكتها مع الأخوان في عموم المنطقة العربية وتحجيم دورهم السياسي والإعلامي في الداخل التركي كقوى معارضة لبعض الأنظمة في المنطقة العربية .

وهنا يجب التنويه لمسألة هامة، أن تركيا “الرسمية “، في السنوات الثلاث الماضية على الأقل “لم تترك ودوائرها الإعلامية مناسبة دولية أو محفلاً إقليمياً أو محلياً، إلا وكانت تكرر أسطوانتها التي تصف فيها مقتل خاشقجي “بالجريمة المنظمة والتي يقف خلفها النظام السعودي وبن سلمان بالتحديد”، وغيرها من سلسلة الاتهامات التي كان يطلقها النظام التركي حينها، بحقّ النظام السعودي.

وهنا، يجب أن لا يغيب عن إذهاننا عند الحديث عن تركيا، دور قطر حليفها الأبرز عربياً، فهل هناك في الأصل توافق قطري ـ سعودي، حتى ينسحب هذا التوافق على الحالة التركية ـ السعودية ؟ وبعيداً عن ساحات الاشتباك المتعدّدة الوجوه والأشكال بين الرياض والدوحة، تؤكد مجريات الأحداث أنّ مجرد التفكير بتقارب سعودي ـ تركي هو تفكير عبثي، رغم الزيارات المتبادلة مؤخراً بين بن سلمان وأردوغان .

يعي معظم المراقبون، بدورهم، جيداً حجم الخلافات السعودية ــــ التركية، ويعلمون أنّ من الصعوبة الحديث عن تقارب وأنّ كلّ الاحاديث عن تقارب ما ستكون عبثية لا فائدة منها، فالسعوديون لن يقدموا أي دعم لأردوغان لإخراجه من الأزمة المركبة التي تعيشها تركيا بهذه المرحلة ، أما الأتراك فلن يتنازلوا عن مشاريعهم التي تستهدف استمرار الفوضى في المنطقة العربية، وهذا بدوره يؤكد إنّ مساعي البعض هنا وهناك والساعية لبناء توافقات إقليمية تؤسِّس لبناء تحالفات ذات طابع جديد، ستواجه العديد من التحديات.

ختامًا، لايمكن لأي متابع أن ينكر حقيقة وجود مجموعة صعوبات ومعيقات تعيق التقارب بين أنقرة والرياض،وهذا ما ينذر بالتأكيد بأنّ هناك متغيرات إقليمية مقبلة ستُحدث تغييراً جذرياً في قواعد التحالف الإقليمية، وستعيد تشكيل أقطاب الأحلاف الجديدة في المنطقة، ما يعني أنّ المنطقة برمتها مقبلة على تغيرات جيو سياسية كبرى، ولهذا لايمكن بهذه المرحلة بالتحديد الحديث عن تقارب ما بين أنقرة والرياض، بانتظار طبيعة وشكل التحالفات المقبلة بالمنطقة بمجموعها، والتي ستحدد معالمها زيارة بايدن المرتقبة للمنطقة وتحديدًا للرياض.

*كاتب وناشط سياسي – الأردن

زر الذهاب إلى الأعلى