هشام الهبيشان: ليبيا.. تداعيات الغزو والمستقبل المنتظر

بات واضحًا لمعظم المتابعين للملف الليبي، أن مايجري بليبيا الجريحة اليوم، هو خير شاهد  على نتائج عدوان الناتو الغربي والعربي على ليبيا قبل  مايزيد على عقد من الزمن، فها هي ليبيا اليوم غارقة بالفوضى، والإرهاب المصطنع، الهادف إلى إعادة تفتيت الفسيفساء الليبية خدمة لمطامع ومشاريع غربية – صهيونية في ليبيا.

اليوم.. وبعد عقد من الزمن من غزو الناتو الغربي – العربي ليبيا، يبدو واضحًا للجميع حجم الكارثة التي لحقت بالليبيين نتيجة هذا الغزو محسوب الأهداف والنتائج، فاليوم وللأسف تحولت ليبيا وبتأمر من بعض من يدعون أنهم من ابنائها لبؤرة تطرف جاذبة للإرهاب وللإرهابيين، وهذا التوريد المستمر للسلاح من بعض العواصم الغربية والإقليمية والعربية لليبيا يتزامن مع استمرار فصول الصراع العسكري على الأرض، والذي ترك بدوره عشرات الآلاف من القتلى والجرحى ومئات الآلاف من المشردين والمهجرين واللاجئين، ودمارًا واضحًا وبطريقة ممنهجة لكافة البنى التحتية بالدولة الليبية.

وعلى مدار عقد من الزمن وأكثر، وجدت ليبيا نفسها في خضم حرب عالمية في أشرس صورها، حرب معقدة مركبة للغاية أسقطت فيها كل المعايير الانسانية، عشرات آلاف المسلحين ومنهم جزء ليس ببسيط من الإرهابيين العابرين للقارات، وملايين الأطنان من الأسلحة سلحوا بها ودمروا بها مدن ليبية بأكملها، وقتلوا اهلها وضربوا بها مقومات حياة المواطن الليبي، وحاربوه حتى في لقمة عيشه اليومية، حرب معقدة قوامها الكذب والنفاق والمصالح الصهيوأمريكية، وليس لها أي علاقة بكل الشعارات المخادعة التي تتستر بها، وفي ليبيا تفاصيل الحرب جهزت على مراحل وحلقات وبمشاركة دول عربية وإقليمية.

غزو حلف الناتو الغربي – العربي لليبيا عام 2011، عكس بالضرورة حجم الأهداف والرهانات المتعلقة بكل ما جري في ليبيا، وهي أهداف تتداخل فيها الحسابات الدولية مع الحسابات الإقليمية، كما تتداخل فيها ملفات المنطقة العربية والثروات الطبيعية فيها وموقعها الجيو- سياسي إلى أقصى الحدود، واليوم نسمع عن دعوات جديدة لمؤتمرات دولية “لا تغني ولا تسمن من جوع الليبين التواقين للاستقرار”، وهذه المؤتمرات تتم في مناطق جغرافية خارج الوطن الليبي، وهذه يدلل على حجم الأزمة التي تعيشها الدولة الليبية المتمثلة بانعدام التوافق ما ينعكس على الأمن والاستقرار وتمدد الإرهاب .

ومن هنا يمكن القول إنه بات من الواضح أنه ومنذ مطلع عام 2011، وتحديدًا منذ تاريخ 19-3-2011، قد  تحولت ليبيا ونتيجة الغزو المتمثل بتحالف بعض العرب وتركيا مع حلف الناتو، مع العلم ان الجميع قد انقلب على الجميع بهذه المرحلة، إلى دولة معدومة الاستقرار، وهذا الحال يبدو أنه سيستمر لأعوام قادمة على الأقل، فقد عشنا منذ مطلع أولى أيام العام الحالي 2022 تحديدًا على تطورات دراماتيكية دموية، عاشتها الدولة الليبية من شمالها لجنوبها، ومن غربها لشرقها، والواضح أنها ستمتد على امتداد أيام هذا العام، فقد اشتعلت جبهات عدة على امتداد الجغرافيا الليبية، وفي شكل سريع ومفاجئ جداً، في ظل دخول متغيرات وعوامل جديدة وفرض واقع وايقاع جديد للخريطة العسكرية الليبية، وخصوصاً بعد الحديث الغربي عن عودة تمدد القوى المتطرفة في شكل واسع بمناطق شرق وجنوب شرقي ليبيا.

هذا الواقع الذي فرض نفسه بليبيا عسكريًا، وتحديدًا بالعاصمة الليبية طرابس، وبعض مدن الجنوب والشرق الليبي النفطية يدلل بشكل كارثي على الحالة الماسأوية للشعب الليبي وللدولة الليبية بكل أركانها، فقد فرض الواقع العسكري نفسه وبقوة، على كل التجليات المأساوية التي عاشتها الدولة الليبية مؤخرًا، فقد شهدت البلاد خلال الأشهر الثلاث الماضية، صراعًا دمويًا بين مجموعة  قوى مسلحة مدعومة بأجندات خارجية .

تعدد هذه القوى المسلحة على الأراضي الليبية، أفرز حالة صراع دائم فيما بينها، فقد ارتبط هذا الصراع المحلي بصراع إقليمي – دولي، مما ينذر بالمزيد من الفوضى داخل الدولة الليبية مستقبلاً، وهذا بمجموعه كان مخططًا له من قبل حلف الناتو عندما قرر غزو ليبيا فهذا الحلف رسم مستقبلاً قاتم المعالم للدولة الليبية لإبقائها بحالة اللاسلم واللاحرب، في ظل غياب أي كيان لسلطة فعلية لدولة ليبية على الأرض، والمتزامن مع عودة ظهور جماعات متطرفة متواجدة بشرق وجنوب شرق ليبيا ،كانت أعلنت ولائها ومبايعتها بوقت سابق – 2016 لتنظيم داعش، وهذا ما سيزيد حالة التعقيد المستقبلي للحالة الليبية المضطربة أصلاً، وهذا الوضع كما تحدثنا قد يستمر لأعوام قادمة قبل الحديث عن حلحلة الوضع والملف الليبي.

ختامًا، وبعد مرور عقد من الزمن من غزو حلف الناتو وبدعم عربي للأراضي الليبية، يمكن القول أن المشهد الليبي يزداد تعقيدًا مع مرور الأيام، وهذا ما يستلزم وضع خطوط عمل فاعلة على الأرض الليبية من قبل بعض القوى الليبية الوطنية، لوضع حد للفوضى وتنسيق حلول مقبولة، لإيقاف حالة النزيف التي يتعرض لها الوطن الليبي، وإلا ستبقى ليبيا الدولة بكل مكوناتها تدور بفلك فوضوي طويل عنوانه العريض هو الفوضى والصراع الدائم على الأرض الليبية، والخاسر الوحيد من هذه الفوضى هو الشعب الليبي الذي يدفع اليوم من دمه ومن مستقبله ومستقبل اجياله القادمة ضريبة خطأ تاريخي كبير ارتكبه بعض ابناء الشعب الليبي الذين شاركوا بوعي أوبلا وعي بمشروع تدمير ليبيا !!؟؟…

*كاتب وناشط سياسي – الأردن

زر الذهاب إلى الأعلى