«الكنائس الألبانية» .. فيلم وثائقي جديد يكشف كيف اعتنق أهل أذربيجان المسيحية قبل قدوم الأرمن

كتب – محمود سعد دياب:

أعد مركز الترجمة الحكومي الأذربيجاني مادة وثائقية (مقطع فيديو) بعنوان “الكنائس الألبانية – آثار قديمة من تاريخ أذربيجان”، تتناول التاريخ القديم للألبان الذين عاشوا في أراضي أذربيجان الحديثة منذ قرون طويلة، وكذلك التعايش مع الأذربيجانيين وثقافتهم المشتركة، كما تتناول هذه المادة تزوير الكنيسة الألبانية الرسولية نتيجة سياسة الأرمنة الخبيثة بعد أن خضعت للكنيسة الأرمينية الغريغورية بموجب مرسوم صادر عن الإمبراطور الروسي نيكولاس الأول في 11 مارس سنة 1836م.

الكنائس الألبانية

تعد ألبانيا القوقازية التي لفتت أنظار مؤرخي العالم بتاريخها القديم وثقافتها ومعالمها الأثرية، من أولى الدول في العالم التي انتشرت فيها المسيحية، ووفقا للمصادر التاريخية، فإن وصول المبشرين المسيحيين من القدس وسوريا في القرن الأول الميلادي إلى هذه الأراضي أدى إلى تكوين المجتمعات المسيحية الأولى هناك.

وتشير هذه المصادر أيضا إلى أن تاريخ الكنيسة الرسولية الألبانية كان مرتبطا بكنيسة القيامة بالقدس الشريف، ثم في الفترات اللاحقة كان مرتبطا ببطريركية القدس، وذلك على عكس الكنيسة الأرمينية الغريغورية، ويوجد المزيد من المعلومات التفصيلية حول هذا الموضوع في كتاب “تاريخ الدولة الألبانية” الذي كتبه المؤرخ الألباني الشهير موسى كالانكاتلي بأمر من الحاكم الألباني “جافانشير”. ويذكر الكتاب أن القديس “أليشع” تلميذ الرسول ثاديوس، أثناء بناء معبد “كيش في شاكي” إحدى المقاطعات الألبانية القديمة قال: “هذا هو مركزنا الروحي ومكاننا الأول الذي اقتدينا به”.

ويذكر الكتاب أيضا أن “أليشع” أول داعية للمسيحية في ألبانيا قُتل ودُفن بالقرب من مدينة “شاكي”، وتنعكس حقيقة انتشار المسيحية في ألبانيا القوقازية قبل ظهور مفهوم أرمينيا بفترة طويلة في إحدى رسائل الكاثوليكوس الأرمني أبراهام إلى الألبان: “كان عرش البطريركية الألبانية الأقدم من عرشنا يتفق معنا (الأرمن) فيما قبل”.

وطبقا للدراسات المكتوب عن ألبانيا القوقازية، كان هناك 12 أسقفا في هذه المناطق فيما بين القرنين الخامس والثامن: وهم “كابالا” (قابالا) و”غاشوا”، و”يوتا”، وآ”ماراس”، و”تسري”، و”بالاساكان” (شاكي) و”جيرديمان”، و”ميتس-كوجمانك”، و”ميتس إيرانك”، و”هاباند”، و”بارتاف” (باردا) و”غانجاسار” (كالباجار)، وأصبحت كنيسة “باردا” ديرا كبيرا بعد أن نقل رئيس الكنيسة الألبانية الأب المقدس عباس محل إقامته من “تشولا” إلى “باردا” في عام 552.

وكذلك تم العثور على محاولات أرمنة الكنائس الألبانية في البحوث العلمية للعديد من المؤرخين العالميين المشهورين.

وخضعت “الكنيسة الألبانية الرسولية” للكنيسة الأرمنية الغريغورية وفقًا لمرسوم الإمبراطور “نيكولاس الأول” الصادر في 11 مارس عام 1836م والذي وافق عليه مجلس الشيوخ الروسي في 10 أبريل 1836م. وبذلك انتهى استقلال الكنيسة الألبانية.

واستنادا إلى الحقائق التاريخية، يذكر البروفيسور “إيليا بافلوفيتش بتروشيفسكي” (1898-1977) أحد أشهر الباحثين في تاريخ القوقاز القديم ومؤرخ روسي بارز في دراساته أن عملية أرمنة أراضي ألبانيا من قبل الأرمن عبر التاريخ، وكذلك إلغاء مفهوم “الكنيسة الألبانية” والحديث عنها بوصفها “كنيسة أرمنية” أجريت كل هذه الأنشطة بشكل ممنهج ومستمر، وأن المعالم التاريخية في “قراباغ” لم تنتم أبدا إلى الثقافة الأرمينية.

ويؤكد “المؤرخ الأرميني” المعروف نيكولاي أدونتس (1871-1942م) في أبحاثه أن السكان الأرمن لم يكن لهم أي تأثير في الجزء الجبلي من “قراباغ”.

وقد صادف المستشرق الأذربيجاني المعروف الأكاديمي “ضياء بونيادوف” حقيقة تاريخية مثيرة للاهتمام، وهي أنه نتيجة لأوامر الخليفة “معاوية بن أبي سفيان” (661-680) لـ”الجرهومي” قبل شروعه لفتح ألبانيا القوقازية بهدف معرفة القبائل التي تعيش في البلاد وجمع المعلومات العسكرية عن قوات العدو ومواقعها وقدراتها، اتضح أن الأتراك يشكلون أغلبية السكان فيها، وأن اللغة المشتركة للتواصل بين القبائل هي اللغة التركية.

وتؤكد العديد من المصادر التي تدرس تاريخ ألبانيا القوقازية أن عرش الكاثوليكوس الألباني قد تأسس في دير “تشولا” في “دربند” في القرنين الرابع والخامس، وفي “دير باردا” في القرنين السادس والسابع، وفي “دير الإليزيه” المقدس في “أغدارة” في القرنين الثامن والتاسع، وفي “دير خداوَند” في “كالباجار” في القرنين العاشر – الخامس عشر، وفي “دير غنجاسار” في القرنين الخامس عشر – التاسع عشر .

ويحدد علم الآثار والإثنوغرافيا والأنثروبولوجيا أن التعايش مع الألبان لعب دورا مهما في تكوين الشعب الأذربيجاني وتكوينه العرقي، وثمة دلائل كثيرة تشير إلى الجذور القديمة للعلاقات الألبانية الأذربيجانية، منها تقديم الملحمة الأذربيجانية الشهيرة المسماة “كتاب دادا قورقود” (أقدم أثر أدبي للأدب الشعب الأذربيجاني في القرنين العاشر والثاني عشر) لبطل الملحمة ورئيس بلد الأوغوز “جالين أوغوز” ،وكذلك لما خلفه من أبطال مثل “سالور غازان” بوصفهم “سادة الألبان”.

كما تؤكد الوثائق التاريخية أن أسلاف الشعب الأذربيجاني اعتنقوا المسيحية في العصور القديمة، وبطبيعة الحال، كانوا يتعبدون في المعابد والكنائس والأديرة التي ظلت أسماؤها قائمة حتى يومنا هذا وتقع في أراضي أوغوز – الأراضي الألبانية – الأذربيجانية التاريخية.

ولا يزال الشعب الأذربيجاني يزور العديد من المعابد المسيحية الألبانية المحفوظة في أذربيجان منذ آلاف السنين باعتبارها مكانا مقدسا للعبادة كمعابد “كيش” (شاكي)، و”خداوَند غنجاسار” (كالباجار)، و”جومروك، ولاكيت”، و”قُم” (قاخ)، و”آواي” (قازاخ)، و”جوتاري” (قابالا) وغيرها من المعابد التي تحميها الدولة الأذربيجانية وتحافظ عليها.

رابط فيديو المادة الوثائقية:

زر الذهاب إلى الأعلى