هشام الهبيشان يكتب: النظام العالمي الجديد.. ماموقع المنطقة العربية منه؟!

اليوم وتزامناً مع تصاعد حدة الخلافات الروسية – الأمريكية، حول مجموعة ملفات دولية، يقرأ بعض المتابعين ان تسخين اجواء الحرب الباردة مجددًا بين الروس ورثة الاتحاد السوفيتي، والأمريكان رأس حربة حلف الناتو والتي يعتقد البعض أنها قد انتهت منذ مطلع تسعينات القرن الماضي بين القوى الغربية وروسيا، قد يصب بخانة احتدام الخلافات بين الروس والأمريكان،وبهذه المرحلة من الواضح أن تفاصيل هذه الحرب قد عادت اليوم بحرب سياسية أكثر سخونة ،والسبب بذلك هي مساعي الغرب ورأس الحربة له وهي أمريكا بمحاولة التعدي على مناطق النفوذ الروسي بالمشرق العربي والمشرق الأوروبي.

الروس بدورهم يعون ويدركون جيداً ان احتواء أمريكا لحركة ما يسمى “تصاعد النفوذ الروسي” ماهو الا عاصفة أمريكية وحرب خفية تقودها أمريكا وبوجوه متعددة لتغيير شكل الخارطة الجغرافية والأمنية الاقليمية وحتى الدولية وسترسم وفق نتائجها المنتظرة طبيعة جديدة لشكل العالم الجديد سياسيًا على الاقل، ولذلك أدرك الروس مبكراً أن هذه العاصفة الكبرى التي ضربت العالم والمشرق العربي بالتحديد هي تستهدف بجملة ما تستهدف تشكيل واقع جديد للمنطقة العربية بما يخص موازين القوى ومناطق النفوذ بما ينعكس على توزيع جديد لمناطق النفوذ والتحالفات والثروات والطاقة بالمنطقة على القوى العالمية الكبرى ، وهذا بدوره ما سيجعل الروس يخسرون الكثير من مناطق نفوذهم التي كانت ومازالت بعضها تحسب عليهم منذ آمد بعيد وخصوصاً ببعض مناطق اقصى المشرق العربي.

منذ انطلاقة تلك العاصفة على المشرق العربي، بدأ هنا تشكيل مرحلة وخريطة جديدة فمراكز النفوذ بدأت بالتحول ومراكز القوى والنفوذ تغيرت، ومن هنا قررت القوى الغربية ورأس حربتها أمريكا أن هذه الفرصة هي الفرصة الأنسب لأعادة تقسيم الكعكة العربية فيما بينها، مما استفز حفيظة بعض القوى الشرقيه بالعالم التي تعتبر الاقرب للعرب ومنها الصين وروسيا، فهذه العاصفة “الربيع العربي”، قد بدأت بإعادة ترتيب مواقع القوة والنفوذ بالمنطقة وبواقع جديد، مما اثار مجموعة من الخلافات بين القوى الغربية والشرقية حول مواقع القوة والنفوذ الجديدة بالمشرق العربي.

وأول هذه الخلافات حول الربيع العربي ومراكز القوى بين الغرب وروسيا كانت في ليبيا وعندها طعنت دول الغرب روسيا بالظهر في ملف ليبيا، وحينها خسر الدب الروسي مركز نفوذ في المغرب العربي وشمال إفريقيا كأن يشكل عامل أمان للروس وقوة في هذه القارة ومعبر أمن للدولة الروسية للاتساع والولوج أكثر بعلاقاتها مع باقي دول المغرب العربي وشمال إفريقيا وجنوبها وشرقها، وحينها أدرك الروس أنهم خدعوا من دول الغرب وعندها أدركوا ان هناك مؤامرة كبرى تستهدف مراكز نفوذهم بالمنطقة العربية.

وعندما أتسع نطاق هذه العاصفة “الربيع العربي”، ووصل إلى الدولة السورية وبدأت القوى الغربية بالتجهيز لتشكيل واقع جديد للدولة السورية يستهدف بناء قاعدة نفوذ لها هناك على حساب الروس، ومن هنا برز الملف السوري كواجهة أولى للصراع بين قوى الشرق والغرب ، وهنا استمات الروس بالدفاع السياسي والامداد اللوجستي للدولة السورية ولجيشها ، من مبدأ انها اذا خسرت سورية فأنها ستخسر نفوذها وقاعدتها الاخيرة وحلفها الاخير مع دول المشرق العربي ..

والروس يعلمون جيداً ويدركون ان الهدف القادم للغرب ولو بعد حين سيكون روسيا ولذلك هم اليوم يستميتون بسورية ، فهم أدركوا حقيقة المؤامره الكبرى عليهم اولًا، وثانياً على الدولة السورية، ولذلك يدرك الروس اليوم وأكثر من أي وقت مضى أنهم أصبحوا بشكل أكثر واقعية تحت مرمى وتهديد الدول الغربية فهم اليوم بأتوا بين مطرقة الدرع الصاروخية الأمريكية التي باتت بحكم الواقع قريبة من الحدود الروسية، وتشكل خطر محدق بأمن المنظومة العسكرية والمجتمعية الروسية، وخطر خسارة مناطق نفوذها بسورية وأوكرانيا لصالح الغرب، وما سيتبع ذلك من احتمالات لفقدها لكثير من مناطق نفوذها بالشرق الاقصى والشرق الأوروبي وبالعالم العربي، وسندان تقويض جهودها الساعية للوصول إلى مناطق ومراكز نفوذ جديدة.

ختاماً، هنا علينا أن نعلم جميعاً انه لايمكن أبداً للروس ان يقدموا الملف السوري لأمريكا على طبق من ذهب ،بمقابل تنازل أمريكا عن الملف الأوكراني واعادته للروس،فالروس يعلمون جيداً ان سورية بالنسبة لهم كما اوكرانيا بل قد تكون أكثر اهمية من اوكرانيا نفسها بالنسبة لهم ، فاليوم لاندري تحديداً ان كانت نقاشات واتفاقات “التفاهمات”التي جرت مؤخراً بين الروس والأمريكان قد وصلت لنقاط التقاء بين البلدين، ام ان الدب الروسي سيضطر للتكشير عن أنيابه من جديد ليعيد الكره إلى الملعب الاول عن طريق الولوج بحرب ساخنة جديدة مع أمريكا وستكون نوأة انطلاقتها على الاغلب من أوكرانيا، والسؤال هنا ،أن دخل الروس فعلاً بهذه الحرب الساخنة من جديد هل سيستطيعون ايصال رسائلهم للغرب وإلى الجميع بأن الروس موجودين ولن يتنازلوا وسيستمروا بالتوسع بكل الاتجاهات؟، ام أننا فعلاً سوف نرى انكفاء روسي واعادة تموضع لروسيا لأعادة ترتيب اوراقها من جديد وخصوصاً بالداخل الروسي الذي بدأت ملامح الفوضى الأمريكيه تحرك بعض من فيه ؟!، ومن هنا سنترك كل هذه الاسئلة للقادم من الايام لتجيبنا عليها وتعطينا صورة وملامح وشكل موازين القوى بالعالم الجديد التي يتم صنع موازين القوى ومراكز النفوذ فيه من جديد وتحديدا من سورية ..

*كاتب وناشط سياسي – الأردن

زر الذهاب إلى الأعلى