نبيل فزيع يكتب: توازنات عراقية غائبة ودستور مفقود

بالأمس صوت البرلمان العراقي على قانون تمويل العجز المالي بالموازنة، دون اعتبار من تكتلاته الممررة له لأية ثوابت دستورية تتعلق بحقوق الإنسان والمواطنة، إذا ما وضعنا فى الاعتبار أن أسس الاستقرار تبنى على الأمن والعيش.
الحكومة الاتحادية فى العراق الفيدرالي سبق ووقعت إتفاقا مع حكومة إقليم كردستان، بإرسال جزء من ميزانية الإقليم بمبلغ ٣٢٠ مليار دينار عراقي، وفي ظروف استثنائية تغلب عليها جائحة الكورونا وإرهاب تنظيم داعش وتوترات المنطقة كلها، نجد أربيل مستمرة فى تنفيذ إلتزاماتها مع بغداد بتسليم ٢٥٠ ألف برميل يوميا مع جزء من الواردات الأخرى إلى شركة سومو، وزاد البرلمان النسبة إلى ٣٨٠ ألف برميل يوميا، وهو الأمر الذي دعا الزعيم الكردى مسعود بارزاني القوى السياسية فى الإقليم لموقف موحد ضد قانون تمويل العجز المالي.
فالقانون بدت حالة التصويت عليه ذات وجهة عرقية مذهبية بعيدا عن حسابات المواطنة واعتبارات السياسة الراقية التى تحترم فيها الإتفاقيات وتعزز فيها كافة القوى إلتزاماتها بالدستور، إذا ما وضعنا فى الاعتبار من سيطروا على هذا المشهد من السنة والشيعة خلال جلسة تمرير القانون، وهو إجراء بدا للمراقبين بمثابة محاولة للضغط على إدارة الإقليم، التى نجحت بدبلوماسيتها البارزانية فى شد انتباه العالم كله لقضية الشعب الكردي.
فداخليا؛ اعتمدت هذه السياسة مباديء الشراكة والتوافق والتوازن فى إدارة علاقات الإقليم ببغداد وكافة مكونات العراق فى ضوء دستور فيدرالي لجمهورية إتحادية جديدة منذ ٢٠٠٥ ، وعليها لم نعد نتابع يوميا سوى الأزمات التى تستهدف بها قوى داخلية أو خارجية هدم هذا الدستور وضرب الأساس الأقوى فى قيام دولة لها مستقبل.
وخارجيا؛ اعتمدت هذه السياسة على توازنات ومصالح مشتركة مع بلدان محبة للسلام تؤمن شعوبها بالعدالة والحرية والحق فى تقرير المصير، ومعها وجدنا أربيل قبلة للتسامح وهدفا للاستثمار الآمن فى إقليم أثبت قدرته فى مواجهة الإرهاب الداعشي بفضل بسالة البيشمركة وتعاون قوات تحالف دولي، وهذا أمر لا ينكره عادل فى تحليل الأحداث بالعراق الآن.
رئاسات الإقليم الثلاث والقوى الكردية ذات الموقف المحترم ضد قانون جائر؛ تجتمع خلال ساعات وتقرر موقفا موحدا داعما لدستور فعال فى حماية المجتمع والديمقراطية، وإنجاز إصلاحات حقيقية تخدم استقرار عراق تهزه يوميا احتجاجات ضد قوى إفساد واستبداد، ولا نتمنى أن تدفع قوى أخرى بإتجاه تأجيج الصراع السياسي فى مرحلة تاريخية حرجة يعيشها العراق وتحياها شعوب المنطقة كلها، وهى مسألة تدركها الحكومة الإتحادية برئاسة مصطفى الكاظمي وننتظر منها موقفا محترما بالتأكيد.
إن عراقا إتحاديا متماسكا لا يمكن الحديث عن مستقبل له بعيدا عن أداء نواب برلمان دوره الرقابة والتشريع وليس إضاعة حقوق المواطنين أو تصنيفهم على أساس العرق أو الجنس أو الدين أو اللغة، ولم تشهد العقود الماضية نضالا شعبيا فى المنطقة كلها ليأتي ببرلمانات لا تعبر عن إرادة الشعوب وتحترم حقوقها؛ وخياراتها أيضا، وهى المحور الأساسي فى توازنات عراقية غائبة ودستور مفقود مهدر بممارسات وسلوكيات تكتلات وجبهات لا تريد للوطن عودة وصعودا، وتبغي بأفعالها تزايد تدخلات خارجية فى شؤونه.
*الكاتب باحث سياسي وحقوقي ومحام بالنقض