قائد القوات الجوية الأسبق: بطولات طيارينا «ربّت الرعب» بقلب الإسرائيليين.. والضربة الجوية معجزة في التخطيط والتنفيذ – تحقيقات وملفات

استرجع الفريق مجدى جلال شعراوى، قائد القوات الجوية الأسبق، ذكريات البطولة والفداء فى مواجهة الاحتلال الإسرائيلى لشبه جزيرة سيناء منذ 6 يونيو 1967، حتى تمكنت مصر من استرجاع كل شبر من أراضيها، مؤكداً أن رجال القوات الجوية نجحوا فى تصوير كل المواقع الإسرائيلية فى سيناء، اعتباراً من بداية حرب الاستنزاف حتى وقف إطلاق النار، مما جعل العدو بمثابة «كتاب مفتوح» أمام القيادة العسكرية، ليتم تدريب المقاتلين المصريين على مهامهم، حتى تحقّق النصر.

القوات الجوية نفّذت 6500 طلعة جوية لحرب أكتوبر.. أكثر من 65% منها لاستهداف «الثغرة»

وأضاف قائد القوات الجوية الأسبق، فى حوار لـ«الوطن» بمناسبة الذكرى الـ51 لانتصارات حرب أكتوبر المجيدة، أن بطولات الطيارين المصريين ربّت الرعب فى قلب «الإسرائيليين»، مشيراً إلى أن القوات الجوية نفّذت 6500 طلعة جوية فى حرب أكتوبر المجيدة، أكثر من 65% منها لاستهداف القوات الإسرائيلية فى «الثغرة»، مؤكداً أنه شاهد بعينه حجم خسائرهم الكبيرة فيها. وأشاد الفريق مجدى شعراوى بالطفرة الكبيرة الموجودة فى صفوف قواتنا الجوية حالياً من أعمال تطوير وتحديث، موضحاً أنها كانت بمثابة «حلم» تحقّق، مع امتلاك «نسور الجو»، إمكانيات متقدّمة جداً حالياً.

كل فرد كان يعلم مهمته بدقة وتدرّب عليها حتى شللنا قدرات العدو العسكرية في الساعات الأولى للحرب

ووصف قائد القوات الجوية الأسبق الطائرات بدون طيار «المسيّرة»، بأنها بمثابة «فرصة وتحدى»، مطمئناً المصريين بأن الجيش المصرى يمتلك قدرات مواجهتها، لكن تظل الطائرات المقاتلة ذات تأثير أكبر وأكثر فاعلية، وإلى نص الحوار:

 الطائرة الواحدة كانت تقصفها مرة كل ساعتين.. والإسرائيليون ظنوا الجيش المصري «جثة هامدة» حتى تحقّق «النصر»

بحكم خبرتك العسكرية الممتدة.. كيف رأيت انتصار مصر فى حرب أكتوبر المجيدة؟

– حرب أكتوبر المجيدة كانت «نهاية»، وليست «بداية»، فأنا أقول إن تحرير الأرض بدأ من اليوم التالى لهزيمة عام 1967، وكانت هناك 3 علامات كمقدّمات للنصر، الأولى هى معركة «رأس العش»، التى قامت فيها قوات الصاعقة ببطولة سجّلها التاريخ بأحرف من نور، ونجحت فى التمسّك بشرق بورسعيد، التى كانت المكان الوحيد فى سيناء الذى لم يُحتل من إسرائيل، حينها، رغم عدم تكافؤ القدرات القتالية.

 مصر بدأت عمليات «تحرير سيناء» بعد هزيمة 1967 بيوم

أما العلامة الثانية، فكانت يومى 14 و15 يوليو 1967، فنفّذت القوات الجوية ببقايا الطائرات الموجودة لديها ضربة جوية مركّزة لمدة يومين على قوات العدو الموجودة شرق قناة السويس، وكبدنا فيهما العدو خسائر كبيرة للغاية، والعلامة الثالثة كانت فى عملية إغراق المدمّرة إيلات، لنؤكد للعالم أجمع أن النصر ليس مستحيلاً، ومن الممكن أن يتحقّق، وأن الجيش المصرى ليس «جثة هامدة»، كما تصوروا، ثم قامت حرب الاستنزاف، وتم استنزاف قدرات العدو براً وجواً وبحراً، وتم استهداف العدو فى العمق، حتى جاء موعد حرب أكتوبر المجيدة، بعد تخطيط وتدريب دقيق على المهام التى يُكلف بها كل فرد، لنتمكن من تحقيق «النصر».

نفّذنا ضربات جوية مركزة على العدو شرق القناة فى يومى 14 و15 يوليو 1967 وأوقعنا خسائر كبيرة في صفوفه

بطولات «نسور الجو» فى تاريخ العسكرية المصرية لا تنتهى.. وفى القلب منها «الضربة الجوية» التى شلّت العدو فى بدايات حرب أكتوبر المجيدة.. فكيف رأيتها؟

– الضربة الجوية كانت عملاً مخططاً له قبل حرب أكتوبر بفترة كبيرة، وتدرّبت كل الوحدات التى اشتركت بها بشكل منفرد، ليعلم كل فرد مهمته الدقيقة، ويُجيد تنفيذها، وهو ما كُلّل بالنجاح، وتم تحقيق عنصر المفاجأة، وشل العدو وقدراته العسكرية فى الساعات الأولى للحرب.

توحّدنا مع طائراتنا كأننا جسد واحد 

وكيف تمكنت القوات الجوية من ذلك؟

– القوات المسلحة المصرية عملت على تصوير خط بارليف منذ بداية إنشائه، بداية من عمل الحفر، وقضبان السكة الحديد، والبناء، وكان معروفاً لنا موقع كل غرفة، وكل مدخل، ومخرج، وكان خط بارليف الحصين، والجبهة بأكملها بمثابة «كتاب مفتوح» لجيشنا الباسل، وفى القلب منه قواتنا الجوية.

مثل ماذا؟

– مثل النقاط القوية فى خط بارليف، ومواقع المدفعية، ومراكز القيادة، والمطارات، ومراكز الإعاقة والشوشرة وغيرها.

وكيف تمكنتم من تصوير ورصد ذلك؟

– كنا 6 طيارين فى القوات الجوية المصرية مكلفين بمهمة الاستطلاع الجوى، وكنا نطير من طلعتين إلى 3 طلعات جوية أسبوعياً لتصوير الجبهة، ورصد أى متغيرات فى مسرح العمليات المنتظر، وكنا نُغطى الجبهة من منطقة «رأس نصرانى» إلى بورسعيد، ووصل هذا العدد إلى 24 طياراً بحلول حرب أكتوبر المجيدة.

وهل وقفت إسرائيل بكل عنفوان قواتها الجوية حينها صامتة أمام طلعاتكم الجوية؟

– كانوا يرصدون تحركاتنا، وبدأوا فى إعداد كمائن لاصطيادنا، لكننا كنا نُنفّذ خطة خداع على أعلى مستوى، عبر تنفيذ طلعات وهمية فى اتجاه أهداف حيوية مهمة لهم؛ فيُلاحقون طيارينا، ونذهب فى اتجاه الأهداف الأصلية التى نريد تصويرها، ولك أن تتخيل أن ذلك يتم بطائرة استطلاع ذات قدرة حركة ومدى مناسبين، لكنها ليست طائرة مقاتلة تزود بأسلحة كثيرة؛ فكل ما كان لدينا مدفعان مزودان بـ40 طلقة لكل منهما، وبصحبتنا كاميرا تصوير، تم تركيبها بأيدٍ وقدرات مصرية، بعدما قدمت لنا الطائرات من روسيا بدون كاميرات، لكن تم تدبيرها، وكانت بقدرة تصوير واضحة فى ارتفاع من 20 إلى 30 متراً فقط، وهو ما نجحنا فيه بعد تدريب شاق؛ فأنا طرت 1700 ساعة على الطائرة السوخوى فقط، حتى كنت تشعر بأنك والطائرة «واحد»، وهو ما أدى إلى تحقيق ما يصفه بعض الخبراء بالمستحيل فى الحرب، بفضل الكفاءة القتالية العالية.

وكم طائرة خسرناها خلال طلعات التصوير والاستطلاع الجوى؟

– لم نخسر طائرة واحدة منذ حرب الاستنزاف وحتى بداية نصر أكتوبر خلال الاستطلاع الجوى.

وكيف نجحت الضربة الجوية فى تحقيق أهدافها كاملة؟

– عبر عنصرين، أولهما هو «الإيمان»، عبر الإيمان بالله والمهمة والسلاح والقضية، والجزء الثانى هو أنه لم تكن لدينا معلومة عن العدو لا نعرفها، واتباع العلم لاستغلال القدرات المتوافرة لنا.

وما دور القوات الجوية بعد تنفيذ «الضربة الجوية» فى الحرب؟

– تولينا بشكل مباشر حماية إنشاء رؤوس الكبارى، بالتعاون مع قوات الدفاع الجوى، ومختلف الأسلحة والإدارات، بهدف تأمين نقل قواتنا المسلحة إلى شرق قناة السويس.

وما دورك فى حرب أكتوبر المجيدة؟

– كنت فى قاعدة بلبيس الجوية، ونفّذنا مهام الاستطلاع قبل موعد الحرب مباشرة، ثم بدأنا فى متابعة طلعات العدو، وكانت المتابعة مستمرة بالكامل، ومن يوم 14 أكتوبر 1973، تحولت مهمة سرب الاستطلاع، الذى شرُفت بالانتساب إليه، ليعمل كـ«مقاتلات قاذفة»، حتى طائرات الكلية الجوية اشتركت معنا فى ضرب «الثغرة»، لنكون بمثابة «حائط صد» لها، فالقوات الجوية نفّذت 6500 طلعة جوية خلال حرب أكتوبر المجيدة، أكثر من 65% من تلك الطلعات الجوية كانت فى استهداف منطقة الثغرة، بحجم مجهود كبير جداً، فكانت كل طائرة تستهدف «الثغرة» بمتوسط مرة كل ساعتين، وفى كل طلعة جديدة ترى الخسائر الإسرائيلية الكبيرة، ومع تعويضهم للخسائر بقدرات جديدة، كنا نستهدفها، فلم ينم عسكرى إسرائيلى واحد فى «الثغرة» وهو مطمئن أو «مرتاح البال» بفضل بطولات رجال قواتنا المسلحة الباسلة، سواء نهاراً أو ليلاً، حتى تم وقف إطلاق النار.

وكيف تمكنت القوات الجوية من توصيل 220 طائرة إلى جبهة القتال فى وقت واحد، رغم اختلاف سرعاتها وقدراتها؟

– انطلقت من قواعد من مسافات وأبعاد مختلفة، وهو ما تدرّبنا عليه؛ لنكون فوق أهدافنا ما بين 2:05 و2:10، مع حجم تنسيق كبير مع قوات الدفاع الجوى، وخطوط عودتنا، فهى بمثابة «معجزة» فى التخطيط، والتنفيذ.

«إيد ربنا كانت معانا.. لذا حققنا المستحيل»

وماذا عن معركة «المنصورة الجوية»؟

– فى يوم 14 أكتوبر 1973، وقبل المغرب بساعتين جاء لنا بلاغ بشأن تسلّل نحو 4 دبابات إسرائيلية إلى مطار الدفرسوار، وحقّقنا خسائر فيها، وفترة الليل عوضوها بدبابات أخرى، وحاولوا التوجّه إلى مدينة الإسماعيلية، وتصدّى لهم أبطال الصاعقة المصرية، ثم توجّهوا جنوباً، واعتباراً من هذا اللحظة كانت طلعاتى فى تلك الفترة لرصد تحركاتها، وكنت أطير بارتفاع 20 متراً بسرعة 1200 كيلومتر فى الساعة، ورغم محاولات الطائرات الفانتوم الإسرائيلية استهدافى، إلا أنهم لم يتمكنوا من إسقاطى، فأستطيع أن أقول لك إن «إيد ربنا كانت معانا، لذا حققنا المستحيل».

وكيف رأيت «معركة المنصورة» نفسها؟

– الطيارون المصريون ضربوا المثل فى التضحية والبطولة والفداء؛ فهناك طيارون طاروا 5 و6 مرات فى تلك المعركة، حتى ظنّهم الإسرائيليون أكثر من 160 طياراً لينسحبوا، وعددهم فى الأصل كان أقل كثيراً، وهى معركة لم تحدث من قبل، سواء من حيث مدة الاشتباك الجوى، أو عدد الطائرات المشتركة، أو البطولات التى حققها طيارونا فى إسقاط طائراتهم، وتحديهم.

بحكم كونك أحد الطيارين البارزين فى حرب أكتوبر وما بعدها.. كيف رأيت الفريق محمد حسنى مبارك، خصوصاً أنك خدمت كقائد للقوات الجوية فى عهده؟

– لم أحضر الفريق مبارك وهو مدير للكلية الجوية، لكن حضرته حينما كان قائد قاعدة بنى سويف عام 1967، وكنا نطير لحماية القاعدة من العدو، وكنت حينها «ملازم أول» ولا يوجد احتكاك بينى وبينه، لكنى تعاملت معه بعدها بسنوات وأنا فى سرب الاستطلاع الجوى، وهو رئيس أركان القوات الجوية، لاهتمامه الكبير بنتائج الاستطلاع، وبعدها بسنوات وأنا قائد للقوات الجوية خدمت 6 سنوات فى هذا المنصب، وكنت ألتقى «مبارك» كرئيس يومياً، ونتحدث كثيراً.

وما رأيك فيه كرجل عسكرى؟

– كان رجلاً عسكرياً متميزاً ومنضبطاً جداً، وصاحب كفاءة عالية، ومن أوائل دفعته، ومن أوائل الطيارين على القاذفات فى مصر.

وما أبرز الذكريات التى لا تنساها فى معارك تحرير سيناء من دنس الاحتلال؟

– خلال إحدى معارك حرب الاستنزاف، نفد وقود إحدى الطائرات المصرية، ولا حيلة للطيار، فهاجم طائرة «فانتوم» بتوجيه الطائرة لها، ثم قفز من الطائرة، وهو ما ربّى الرعب فى قلب الطيارين الإسرائيليين حينها، فلا يوجد أحد فى العالم يستمر الطيار فى القتال بطائرته حتى بعد نفاد الوقود منها.

وكيف ترى قدرات القوات الجوية المصرية حالياً بعد عمليات التحديث والتطوير الكبيرة التى شهدتها مؤخراً؟

– التحديث والتطوير يتم بدراسات وخطة علمية ممنهجة بناءً على الاحتياجات المحتملة لقواتنا الجوية، سواء من ناحية مدى الطائرات أو القدرات التسليحية، أو الاتصالات، أو الإمكانيات الإلكترونية، والقيادة والسيطرة، فما تعيشه قواتنا الجوية من تطوير وتحديث كان بمثابة «حلم»، وهو يتحقق على أرض الواقع، فأصبحنا نمتلك إمكانيات لضرب العدو وهو خارج نطاق الرؤية بفضل الأجهزة الحديثة، لتصيبه وتحقّق الخسائر فيه، ويتم التحقق من تلك الإصابة بالأجهزة الإلكترونية الحديثة، وهى إمكانيات متقدّمة جداً لم نكن نمتلكها من قبل.

وكيف ترى تحدى الطائرات الموجّهة بدون طيار «المسيرات»؟

– هى فرصة للعمل بواسطتها فى بعض المهام، وتحدٍّ كبير لمواجهتها، لكن تظل الطائرات المقاتلة ذات تأثير أقوى وأكبر وأكثر فاعلية.

وكيف نواجه خطر الطائرات بدون طيار الصغيرة ومتناهية الصغر؟

– اطمئنوا، فالدولة المصرية بالتأكيد لديها القدرات والإمكانيات التى تؤهلها لحماية أمنها القومى ضد مختلف التحديات الحديثة، خصوصاً فى ظل الطفرة الكبيرة التى تعيشها قواتنا المسلحة فى مختلف الأسلحة والأفرع القتالية المختلفة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى