مقالات وكتاب

عصام البنانى يكتب: إدارة السلطة والثروة فى العراق

يثير قرار البرلمان العراقي تمرير قانون تمويل العجز المالي؛ قضية مهمة فى إدارة شئون بلد يعاني الأمرين منذ تأسيسه على شاكلة حدوده السياسية الحالية، وهى “إدارة السلطة والثروة”.

سؤال يتردد على ألسنة الناس فى بلدان شتى سافر مواطنوها يوما ما إلى العراق طلبا للعمل وسعيا وراء الرزق، حتى أصبح قبلة الاستثمار فى العنصر البشري أولا قبل استغلال المورد المادي الطبيعي وعلى رأس موارد هذا البلد البترول والسياحة والزراعة بالتأكيد.

 

كان غير العراقيين يتباهون بالسفر للعمل فى هذا البلد والإقامة به لسنوات وعقود، وكان لشعبه وقيادته دور كبير فى حرب العرب مع مصر ضد إسرائيل وإنتصارها على العدو الصهيوني فى ٦ أكتوبر ١٩٧٣ ، ولم تكن حرب السنوات الثمان مع إيران سوى كارثة كبرى عرف معها هذا البلد بداية الانهيار، رغم أن أسبابا غير مقنعة بالمرة يمكن قبولها مبررا للحرب فى هذا التوقيت ولهذه المدة الطويلة.

ثم يذهب نفس النظام بمصير شعبه إلى كسب غضبة العرب والعالم كافة حينما أصر صدام حسين على غزو الكويت، ودخلت تحالفات عربية وغربية لتحريره، ولم يسمع القائد العراقي لنصائح أي صديق عربي وأولهم الرئيس الراحل حسنى مبارك، وانتهى الأمر بعد عاصفة الصحراء إلى حصار للشعب العراقي استمر نحو ١٣ سنة، حتى سقط النظام العراقي وأعدم صدام حسين فى ليلة عيد غير منسية.

ذهب العراق فى ظل وجود قوات الاحتلال الأنجلوأمريكي إلى محاولات توافق شتى وسط إتهامات أطرافه السياسية بعضها لبعض بالتخوين، حتى جاء التلاقي على دستور عراقي لجمهورية إتحادية فيدرالية كان لإقليم كردستان فيها إدارة خاصة برئيس وحكومة وبرلمان، مع تمثيل واضح ودستوري لأحزابه فى برلمان عراقي وحكومة إتحادية.

تسير الأمور وتباعا تبتعد قوات أمريكا وبريطانيا عن البلاد، وتجري أكبر عملية دعم لبناء جيش وطني عراقي؛ وبيشمركة كردية أثبتت قدرة غير عادية فى مواجهة خطر تنظيم داعش، وقدمت أكثر من ١٨٠٠ شهيد و ١٨ ألف مصاب فى مواجهات مع التنظيم وكسرت شوكته فى البلاد، بينما نفس سنوات مواجهته يتلقى الإقليم خلالها ضربات قوى معادية للتوافق والتوازن والشراكة التى نادى بها الزعيم الكردى مسعود بارزاني لتحقيق الأهداف الوطنية لبلد يعانى أزمة إدارة السلطة والثروة.

بين الحين والآخر تتصارع الأطراف وكأنها أصبحت عاشقة للفرقة؛ محبة للصدام؛ وريثة للكراهية، لا ينتبه أحدها إلى صرخات شعب عبر عن رفضه لها جميعا فى إنتفاضة مستمرة تطالب بالعيش والعدالة، لا يهمها وجهة المكون الشيعي ولا الفريق السني، لا تقترب إحتجاجاته من غير مطالب عادلة تعينه على البقاء.

أي منطق هذا الذي يقبل معه العقل تصميم قوى بعينها على الاصطياد فى ماء إدارته العكر للسلطة والثروة، حينما تواجه أزمة سوء إدارة فتقوم بإستصدار قرارات وقوانين غير دستورية تأتي على حقوق مكون أساسي للمجتمع العراقي وهم الكرد المستهدفين بقانون البرلمان الأخير؟

وأي اتفاقيات عقدت خلال المراحل الماضية بين أربيل وبغداد لم تلتزم بها قوى عراقية بتمثيلها النيابي، رغم نوايا جيدة لحكومة الكاظمي تقابلها مواقف محترمة من القوى الكردية، تنحاز للكرد كجزء من الشعب العراقي وليسوا كعنصر بعيد عن وطن موحد؟

إن قادة كردستان رئاسة وحكومة وبرلمانا، حينما يطالبون الأمم المتحدة بالتدخل لحل المشكلات مع بغداد بعد تمرير قانون العجز المالي، فإنهم إزاء شعور شعبي يؤكد خطورة تصنيف بغداد للكرد كجزء منفصل عن العراق، وكأنهم يؤكدون مجددا أن دعوة شعب الإقليم للإستفتاء على استقلاله كانت لها وجاهتها، ولاتزال أسبابها قائمة، رغم إصرار الكرد على التعايش فى وطن موحد مع كافة مكونات العراق.

إن إتفاق “سنجار” كان خطوة مهمة لحل أزمات المناطق المتنازع عليها بين أربيل وبغداد، ونجحت فى إتمامه الحكومة الإتحادية فى ظروف صعبة تتعاظم فيها مشكلات العراق الداخلية والتعقيدات الإقليمية وأزمة الكورونا التى لم ترحم بلدا واحدا.

لو أن شعورا وطنيا أصاب القوى العراقية دون نظرة مذهبية للمصلحة العليا المشتركة لكافة مكونات العراق، لاعترفت جميعا بسوء إدارة السلطة والثروة وارتضت الجلوس على مائدة الحوار، ولو أنها تشعر بخطورة مشتركة على مصالح وحقوق هذا الشعب لكان لها أن تفكر فى أزماته الحقيقية التى لا تعترف بها النخب، وأهمها أن المورد المادي سوف يفنى سريعا بمجرد سوء إدارته، وسيبقى البشر لا حول لهم ولا قوة فى مواجهة مصير مشترك مجهول، لن يفرق بينهم على أساس الدين أو المذهب أو العرق أو الإنتماء القومي أو الاجتماعي أو السياسي.

*الكاتب محام بالنقض مدير المركز المصرى للقانون

زر الذهاب إلى الأعلى