د. وحيد عبدالمجيد يكتب: اقتراعُ أم اقتتال؟

مازالت صعوباتُ تواجه إعداد بعض القوائم النهائية بعيد ُغلق باب الترشح للانتخابات النيابية اللبنانية التى ستكونُ الأسخن منذ عقود. ستُجرى هذه الانتخاباتُ ما لم يتم تطييرها, أى تأجيلها باللهجة اللبنانية، فى 15 مايو المقبل، أى بعد شهرٍ تقريبًا على الذكرى السابعة والأربعين لاندلاع الحرب الأهلية التى استمرت 15 عامًا.

تمكن اللبنانيون حتى الآن من تجنب نشوب حربٍ أهليةٍ ثانية، وإن بقى الاقتتالُ السياسىُ مستمرًا معظم الوقت، وبلغ ذروةً غير مسبوقةٍ فى الأشهر الأخيرة. وها هو موعدُ الانتخابات النيابية يقتربُ فيما الأجواءُ السياسيةُ مُلبدةُ بغيومٍ هى الأكثر كثافة منذ 1990، خاصةً أن البرلمان الذى يُفترضُ أن يُنتخبَ هو الذى سيَنتَخبُ رئيس الجمهورية الجديد، إذ تنتهى فترةُ رئاسة ميشال عون فى آخر أكتوبر المقبل. ومن هنا أهمية التذكير بالمعنى العميق المُتضمن فى شعار تِنذِكر وما تِنعاد مع اقتراب ذكرى الحرب الأهلية.

ولعل القلق من أن يكون مفعول هذا الشعار قد ضعف كان أحد دوافع جوانا توما وخليل جريح لصناعة فيلم دفاتر مايا الذى مثل لبنان فى مهرجان برلين السينمائى الدولى الشهر الماضى، وكأنهما يُذكَّران بأهوال الحرب الأهلية عن طريق استعادة أيامها بطريقةٍ جديدةٍ. أو فى قالبٍ مُختلفٍ عن أعمالٍ سابقةٍ تناولتها.

يُعيدنا الفيلمُ إلى تلك الأيام من خلال محتويات صندوقٍ تتلقاه مايا، التى هاجرت إلى كندا بُعيد الحرب، وفى داخله دفاتر وصورُ وأشرطةُ سبق أن أرسلتها إلى صديقة لها عام 1982. لا تملكُ مايا شجاعة مواجهة ذكرياتٍ مؤلمة يحفلُ بها الصندوقُ، ولكن الفضول يدفعُ ابنتها إلى فتحه لتجدَ تفاصيلَ دقيقةً عن تلك الفترة الصعبة.

ومن هذا المدخل الجديد يضىء الفيلمُ على أعباء جسيمةٍ تحملها آباءُ وأمهاتُ فى محاولة دفن ذكرياتٍ مُرة فى أعماقهم، ويناقشُ العلاقة بين جيلٍ شهد الحرب وآخر تشكل وعيُه بعدها، ويوضحُ الصلة التى تربطُ الإنسان بوطنه مهما تبعد المسافات، ويحكى كيف اختلط الموتُ بالحب، والخوفُ بالرجاء. وهو قبل ذلك وبعده، يوجهُ مجددًا رسالةً تحثُ على التمسك بالسلم الأهلى تحت أى ظرف، لإبقاء الأمل فى استعادة لبنان الذى كان.

زر الذهاب إلى الأعلى