ثابت أمين عواد يكتب: الحرب البيولوجية..

كما حركة القمر البطيئة المؤكدة في سماء الليل، هكذا تتصاعد المؤشرات وتحتشد الأحداث صوب مواجهة كونية شاملة، وكأنها إحدى عوامل التغير في المناخ، لكنه هنا المناخ السياسي والديموجرافي والاقتصادي في وقت واحد، يشارك فيها طرفان، الأول يضم دولًا تقليدية مثل روسيا، وأخرى جديدة مثل الصين وكوريا الشمالية، ومن ورائهم مشاركون جدد مثل إيران والهند ودول أخرى، في مقابل الطرف الثاني ويضم دولًا تقليدية في مجملها، مثل الولايات المتحدة وكندا، ودول أوروبا الغربية، أي هي جولة أو حرب كونية، وليست روسية أوكرانية كما يبدو.

هي مواجهة حتمية ضاغطة تتولد كرد فعل لخلل عالمي استمر عقود بهيمنة غربية على مصير ومقدرات كافة الشعوب والقارات، ويبدو أنها حرب قادمة لإعادة شيء من التوازن للعالم الغني والفقير، فالولايات المتحدة، تتسلح بحلف الناتو، وتمددت إلى أن وصل هذا التمدد والتضخم إلى الباب الخلفي للروس، عند حدودها مع أوكرانيا.

نعم هو صراع مؤكد، فالرأسمالية الغربية لا سقف لها، ولا رادع لطمعها إلا القوة التي استخدمتها في أحداث ومواجهات وبؤر صراع تزيد على نصف قرن من الهيمنة والازدواجية الأمريكية عصفت خلالها على مقدرات أمم وشعوب وثقافات.

ومنطق الواقع الراهن والمضطرب يقول: إن العالم لن يعود كما كان، هناك عالم جديد يتشكل، تقديراته تبدو بأطراف جديدة تدخل إلى المسرح العالمي، والأكثر ترجيحًا أن الولايات المتحدة لن تقود العالم مجددًا كما كانت قبل هذه الحرب.

البداية للمواجهة العالمية الثالثة لم تكن بيولوجية على الإطلاق، كانت، عبارة عن تراكم من حالات الاستخفاف الأمريكي لروسيا وغير روسيا، حتى وصل الغرور الأمريكي إلى حدود روسيا عبر الهيمنة على أوكرانيا المتاخمة لحدودها مع روسيا بطول يزيد علي 400 كيلومتر، وبالرغم من كل ذلك، أوضحت روسيا أن هدفها ليس احتلال أوكرانيا، وإنما تطهيرها من القواعد الحربية التابعة للغرب وللولايات المتحدة وحلف الناتو، الذي يزرع كل يوم قواعد عسكرية، والمفاجأة أن الولايات المتحدة كانت تمول برنامجًا سريًا لإنشاء آلية لنشر مسببات الأمراض الفتاكة، على الأراضي الأوكرانية، وهذا ليس ادعاءً روسيًا، بل اعترفت المخابرات الأمريكية بمساعدة أوكرانيا في الأبحاث البيولوجية، وأكدته مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية، أفريل هاينز، بأن أوكرانيا تشغل أكثر من 10 مختبرات بيولوجية مرتبطة بمشروعات دفاعية وصحية، مشيرة إلى أن الحكومة الأمريكية قدمت لكييف مساعدات يطلقون عليها “مجال السلامة البيولوجية”.

كانت الحرب العالمية الأولى تقليدية، والثانية ذرية، والحرب المتوقعة هي “حرب بيولوجية”، تستخدم فيها الطيور والخفافيش والحشرات والجراثيم والميكروبات، فضلًا عن أسلحة تقليدية جديد عالية الدقة بعيدة المدى، والجديد هو دخول كوريا الشمالية والصين مع روسيا ضد حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة، وقد تنضم إليهم اليابان، التي لم ولن يتجاهل شعبها إبادة 240 ألف ياباني عام 1945، فقط ينتظر فرصة القصاص من الولايات المتحدة.

الهدف من الأبحاث البيولوجية التي تمولها الولايات المتحدة في أوكرانيا كان إنشاء آلية سرية لنشر الأمراض عن طريق الطيور البرية المهاجرة بين أوكرانيا وروسيا والدول المجاورة الأخرى وتستغل فيه الخفافيش كناقلات أسلحة بيولوجية، وهو ما كشف عنه المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، اللواء إيغور كوناشينكوف، وأوضح أن البنتاغون مهتم أيضا بنواقل الحشرات التي يمكن أن تنشر الأمراض المعدية الخطيرة، كما يؤكد تحليل المواد المستلمة حقيقة أن أكثر من 140 حاوية فيها طفيليات خارجية للخفافيش – البراغيث والقراد – تم نقلها من المختبر البيولوجي في خاركوف إلى الخارج.

لم يكذب مجلس الأمن الدولي خبرًا، إذ عقد أمس، جلسة طارئة بطلب من روسيا للبحث في ملف “الأسلحة البيولوجية” التي تؤكد موسكو أن أوكرانيا تصنعها بدعم من الولايات المتحدة، وتتهم روسيا حكومة كييف بأنها تدير – بالتعاون مع واشنطن – مختبرات في أوكرانيا، بهدف إنتاج أسلحة بيولوجية، وهو ما نفته كييف وواشنطن.

في تطور مثير آخر ينذر بتصاعد مخاطر مواجهات إشعاعية بيولوجية، أبلغت أوكرانيا الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأنها فقدت الاتصال بمنشآت النفايات المشعة في تشيرنوبل بجوار محطة الطاقة، المعطلة، في موقع أسوأ حادث نووي في العالم عام 1986، والذي يقع الآن تحت سيطرة القوات الروسية.

وإذا كان ما يحدث حول الحرب البيولوجية مبالغًا فيه من الطرف الروسي، وبالرغم من إعلان الأمم المتحدة، عن عدم وجود دليل يدعم ادعاء روسيا امتلاك أوكرانيا أسلحة بيولوجية، وأن ما تقوم به روسيا هو عملية عسكرية خاصة، إلا أن دخول “منظمة الصحة العالمية” التابعة للأمم المتحدة على الخط، يؤكد المخاطر المحتملة، فقد شددت المنظمة على السلطات الأوكرانية، وطالبتها بإزالة المخاطر البيولوجية، كما أوصت وزارة الصحة في أوكرانيا بتدمير مسببات الأمراض شديدة الخطورة لمنع أي انسكابات محتملة، من شأنها أن تنشر المرض بين السكان، حيث يوجد في أوكرانيا مختبرات للصحة العامة تهتم بتهديدات الأمراض الخطيرة منها “كوفيد – 19”.

من بين أهم تداعيات هذه الحرب، اختفاء القطب الأوحد وانتهاء دوره، ونهاية سلسلة الحروب التي أشعلتها حضارة وقيم الديمقراطية الأمريكية مزدوجة المعايير، ووصلت إلى نحو 50 حربًا خاضتها واشنطن ضد شعوب العالم، ولعل الوقت يقترب لولادة عالم متعدد الأقطاب بتحالفات جديدة بعيدة عن حالة الهيمنة والعدوانية والإبادة.

زر الذهاب إلى الأعلى