الإعدام في السعودية: تنفيذ العقوبة بطريقة سرّية يثير القلق بين عائلات السجناء

  • كارولين هولي
  • محررة الشؤون الدبلوماسية – بي بي سي

التعليق على الصورة،

أعدمت السعودية 81 سجينا في 12 مارس/آذار 2022، من بينهم هؤلاء الرجال التسعة الذين وافقت عائلاتهم على نشر صورهم إعلاميا

قال أقارب سجناء في السعودية في حديث لبي بي سي إن عمليات الإعدام التي نفذتها السلطات ضد ذويهم جرت دون سابق إنذار، أو إخطار لعائلاتهم.

وخلص تقرير حقوقي جديد إلى أن معدل الإعدام في البلاد تضاعف تقريبا منذ عام 2015، وهو العام الذي تولى فيه الملك سلمان وابنه محمد بن سلمان مقاليد الحكم.

ولم تخطر السلطات عائلة مصطفى الخياط بأنها على وشك تنفيذ عقوبة الإعدام بضده.

كما لم تتسلم العائلة حتى الآن جثته لدفنها، ولا يوجد أي قبر لزيارته، وكانت آخر مرة تواصلت فيها معه من خلال اتصال هاتفي من السجن، واختتم الخياط حديثه مع والدته بكلمات: “حسنا، لا بد أن أذهب. أنا سعيد لأنك بخير”.

ولم يكن لدى أي منهما علم بأنها المرة الأخيرة التي يتحدثان فيها معا.

وبعد شهر، أُعدم مصطفى، وهو واحد من بين 81 رجلا أُعدموا في 12 مارس/آذار 2022، في أكبر عملية إعدام جماعية في تاريخ السعودية الحديث.

وكان اسم مصطفى من بين الأسماء المدرجة على قائمة طويلة ومتنامية أعدتها منظمة “ريبريف” الحقوقية المناهضة لعقوبة الإعدام، والتي وثّقت، بالتعاون مع المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، عمليات الإعدام السعودية بدقة من أجل إصدار تقرير جديد.

وخلصت النتائج، بناء على البيانات التي جرى جمعها منذ عام 2010، إلى الآتي:

  • تضاعف معدل الإعدام في السعودية تقريبا منذ أن تولى الملك سلمان سدة الحكم في عام 2015، وعين ابنه محمد بن سلمان في مناصب بارزة.
  • استُخدمت عقوبة الإعدام بشكل دوري لإسكات المعارضين والمتظاهرين، الأمر الذي يخالف القانون الدولي لحقوق الإنسان، الذي ينص على وجوب استخدامها فقط في الجرائم الأكثر خطورة.
  • أُعدم نحو 11 شخصا اعتُقلوا في البداية عندما كانوا صبية منذ عام 2015، على الرغم من مزاعم السعودية المتكررة بأنها تحد من استخدام عقوبة الإعدام ضد القاصرين.
  • عمليات التعذيب “منتشرة” في السجون السعودية، حتى بالنسبة للصبية المتهمين.

ووثّقت منظمة “ريبريف” العام الماضي 147 عملية إعدام في السعودية، بيد أنها تقول إن العدد كان بالإمكان أن يصبح أكبر من ذلك. كما تقول إن البلاد استخدمت “بشكل غير متناسب” عقوبة الإعدام ضد رعايا أجانب، بمن فيهم خادمات في المنازل ومتهمون في قضايا مخدرات صغيرة.

وبعد مرور عام تقريبا، لم يخبر المسؤولون عائلة مصطفى بكيفية إعدامه هو وآخرين، ويقول شقيقه الأكبر، ياسر، إنها مأساة للعائلات.

ويضيف: “لا نعرف إذا كانوا قد دُفنوا بطريقة لائقة أو أُلقي بهم في الصحراء أو في البحر. ليس لدينا أدنى فكرة”.

صدر الصورة، al-Khayyat

التعليق على الصورة،

مصطفى الخياط يحمل ابن أخيه الرضيع

ويتحدث ياسر علنا لأول مرة، وهو يعيش حاليا في ألمانيا، بعد أن حصل على حق اللجوء السياسي في أعقاب فراره من السعودية عام 2016، خوفا من أن يلقى نفس المصير الذي عاني منه شقيقه.

ويقول ياسر إن شقيقه كان شخصية “مرحة، واجتماعية، ومحبوبة”، فمنذ عام 2011، شارك مصطفى في مظاهرات يومية، تقودها الأقلية الشيعية في البلاد، ضد الحكومة السعودية.

واعتُقل في 2014، وبعد إعدامه، ورد في إعلان رسمي أنه أُعدم مع 30 آخرين بنفس مجموعة التهم، من بينها محاولة قتل أفراد أمن، واغتصاب، وسرقة، وصنع قنابل، وإثارة الفتنة، ونشر الفوضى والاتجار بالسلاح والمخدرات.

وأضاف: “لم يقدموا أي دليل على الإطلاق، إنها كذبة كبيرة للغاية”، ويقول ياسر إن شقيقه كان لا يزال يحاول الطعن على حكم إدانته في الوقت الذي نفذت فيه السلطات حكم إعدامه مع 80 آخرين.

ويضيف: “لم يعدموهم فحسب، بل لجأوا إلى الإساءة إليهم واتهموهم بأشياء لم يفعلوها”.

وكان ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للسعودية، قد وعد بعد توليه السلطة بتحديث المملكة، وقال في مقابلة أجريت معه عام 2018 إن بلاده، الحليف الرئيسي للغرب، تسعى إلى “الحد” من اللجوء إلى عقوبة الإعدام.

بيد أن السعودية، بعد ما يقرب من خمس سنوات، لا تزال واحدة من أكثر دول العالم تنفيذا لعقوبة الإعدام، على الرغم من فترة هدوء تزامنت مع رئاسة البلاد لمجموعة العشرين وبدء جائحة كوفيد.

أخبرتني مايا فوا، مديرة منظمة “ريبريف”، من مكتبها في شرقي لندن، أن ولي العهد “فعل عكس ما وعد به تماما”.

وأضافت أنه “أشرف على عدد كبير من عمليات الإعدام والقمع الوحشي للأشخاص الذين شاركوا في الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية”.

وتقول إن الأدهى من ذلك وجود نظام من السرّية يحيط بعقوبة الإعدام، موضحة أنه بالنسبة للعديد من القضايا التي اطلعت عليها “ريبريف”، لم يعلم أحد أن المحتجزين على قائمة انتظار تنفيذ الإعدام.

وأضافت: “لم تعرف عائلاتهم شيئا. لديك أشخاص اعتُقلوا، وحوكموا، وحُكم عليهم بالإعدام، ثم أُعدموا سرا”.

وتقول فوا إن بعض العائلات اكتشفت فقط من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، إعدام ذويهم، ووصفت ذلك النقص في المعلومات الرسمية بأنه أحد “أكثر الجوانب قسوة وإزعاجا” في كل حالة.

التعليق على الصورة،

ياسر الخياط، شقيق مصطفي

اتبعت السعودية في الماضي طريقة قطع الرأس في الإعدام، وكانت الإعدامات تُنفذ في الأماكن العامة، مع نشر أسماء المحكوم عليهم بالإعدام والتهم الموجهة إليهم على المواقع الحكومية.

بيد أن نشطاء حقوق الإنسان يقولون إن استخدام عقوبة الإعدام أصبح يتسم بمزيد من الغموض.

ولم يعرف أحد ممن تحدثنا إليهم على وجه التحديد كيف يجري تنفيذ عقوبة الإعدام الآن، على الرغم من الاعتقاد أيضا باستخدام فرق الإعدام.

ويقول علي الدبيسي، مدير المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان ومقرها برلين، إن عقوبة الإعدام جزء من نظام قانوني سعودي “غير عادل في جوهره”.

ويضيف: “لا يمكن لأي نوع من منظمات المجتمع المدني المستقلة أو منظمات حقوق الإنسان العمل هناك. وإذا لم نلفت الانتباه إلى عمليات الإعدام، يُقتل الناس في صمت”.

وقالت هيومن رايتس ووتش إن 41 رجلا من بين 81 أُعدموا في مارس/آذار ينتمون إلى الأقلية الشيعية، وإن “انتهاكات كبيرة وممنهجة في نظام العدالة الجنائية السعودي تشير إلى أنه من غير المرجح خضوع أي من الرجال إلى محاكمة عادلة”، كما سمعت المنظمة أنباء عن حدوث عمليات تعذيب.

وعندما سُمح لياسر بزيارة مصطفى أول مرة، بعد 12 شهرا من اعتقاله في 2014، صُدم عندما رأى شقيقه.

ويقول: “على الرغم من مرور عام منذ آخر مرة رأيناه فيها، لم يستطع حتى الوقوف لتحيتنا”.

ويضيف: “كان يسقط عندما يحاول الوقوف، وعندما سألناه، قال إن ذلك من أثر التعذيب”.

ويقول ياسر: “رأينا كدمات على جسده وأخبرنا أنه تعرض لصدمات كهربائية”.

أخبرتني شقيقة سجين آخر أن شقيقها تعرض أيضا لعمليات تعذيب شديدة.

وتقول زينب أبو الخير، التي لا يزال شقيقها حسين في السجن منذ 2014: “قال (شقيقها) إنه عُلق من قدميه وضُرب. لم يتخيل أبدا أن الاعتراف بالإكراه سيُسمح به في محاكمته”.

واعتُقل حسين، وهو سائق أردني يعمل لدى أسرة سعودية ثرية، بعد ضبط مخدرات في سيارته على الحدود الأردنية السعودية، وشقيقته زينب متأكدة أن المخدرات لا تخصه.

تحدثت زينب من منزلها في كندا، وشرحت لنا كيف أن عائلة حسين تبذل قصارى جهودها لتغطية نفقاتها منذ اعتقاله، وله ابن يعاني من إعاقة، وبعد سجنه “أُجبرت ابنته البالغة من العمر 14 عاما على الزواج” في الأردن.

صدر الصورة، Zainab Abu Al-Khair,

التعليق على الصورة،

المواطن الأردني حسين أبو الخير لا يزال في السجن منذ عام 2014

وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أنهت السعودية تعليقا غير رسمي لعقوبة الإعدام في جرائم المخدرات، وهي خطوة وصفها مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بأنها “مؤسفة للغاية”، وقالت الأمم المتحدة إنه في غضون أسبوعين، جرى إعدام 17 رجلا في مثل هذه الجرائم.

وتقول زينب إن شقيقها في السجن، ونُقل رجال منذ ذلك الوقت من زنزانة حسين ولم يعودوا بعدها على الإطلاق.

وقد أضفى ذلك على حسين وزينب حالة من الرعب، وقالت لي “لا أستطيع حتى التحدث عنه دون أن أشعر بضيق في صدري”.

وأضافت: “أفكر فيه طوال النهار والليل، تنتابني كوابيس. إن فكرة أنهم قد يقطعون رأسه، فكرة بشعة”.

وقالت زينب: “لا يمكنك تخيل مدى صعوبة الأمر. أجلس أحيانا بمفردي وأبكي، وأبكي، وأبكي”.

كما لديها مشاعر غضب تجاه دول أخرى لأنها سمحت للسعودية بـ “الإفلات من العقاب”.

صدر الصورة، Zainab Abu Al-Khair

التعليق على الصورة،

تتابع زينب أبو الخير وعائلتها يوميا الأخبار للتأكد من أن شقيقها حسين لا يزال على قيد الحياة

وفي شهر مارس/آذار الماضي، بعد أربعة أيام من تنفيذ عمليات إعدام جماعية بحق 81 رجلا، التقى رئيس الوزراء البريطاني في ذلك الوقت، بوريس جونسون، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مسعى لإقناعه بزيادة إنتاج النفط عوضا عن إمدادات الوقود الروسية.

وقالت رئاسة الوزراء البريطانية إن جونسون أثار مخاوف بشأن قضايا حقوق الإنسان المستمرة في السعودية.

وكان محمد بن سلمان قد أجرى، منذ وصوله إلى السلطة، عددا من الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك السماح للمرأة بقيادة السيارة، لكنها إصلاحات تزامنت مع قمع سياسي مكثف.

ويصف أحدث تقرير أصدرته منظمة هيومن رايتس ووتش سجل السعودية في مجال حقوق الإنسان بأنه “مؤسف”، ووصمة عار، وأن المملكة تنشغل في مساع للتشويش على ذلك السجل من خلال الترويج لأنشطة رياضية وترفيهية.

وأرسلت بي بي سي ثلاث رسائل بالبريد الإلكتروني إلى هيئة حقوق الإنسان السعودية، وهي منظمة حكومية سعودية، تطلب التعليق من مسؤول، لكنها لم تتلق أي رد.

وأشار بيان من السفارة السعودية في لندن لبي بي سي إلى أن العديد من الدول الأخرى في جميع أنحاء العالم تُطبق عقوبة الإعدام، وأن الدول لديها وجهات نظر مختلفة حول العقوبات المناسبة لها.

وأضاف البيان: “بما أننا نحترم حقوق (الدول) في تقرير قوانينها وأعرافها، نأمل أن يحترم الآخرون حقنا السيادي في اتباع خياراتنا القضائية والتشريعية”.

بيد أن التعليقات فشلت في تفسير الزيادة الحادة في عمليات الإعدام في عهد ولي العهد، محمد بن سلمان، أو الطريقة التي تُستخدم بها عقوبة الإعدام، بما يتعارض مع الأعراف الدولية.

وقال مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لبي بي سي إنه “يشعر بقلق شديد إزاء الاتجاه السائد في استخدام عقوبة الإعدام في السعودية”.

وأضاف: “نشعر بقلق، على وجه الخصوص، إزاء زيادة عدد أحكام الإعدام الصادرة والمؤيدة، بما في ذلك ضد أطفال متهمين، وجرائم لا ترقى إلى وصفها بـ “أخطر الجرائم” المنصوص عليها في القانون الدولي، مثل “الجرائم المتعلقة بالمخدرات”.

وبالنسبة لأولئك الذين ما زال أحباؤهم في السجون، فإن الوقت يمر بقلق شديد، مثل شقيقة حسين التي تتابع بشغف مجموعة الدردشة العائلية.

وتقول: “إنها ليست حياة في ظل هذا الضغط. يتعين علينا، كل صباح، وكل مساء، أن نتحقق من أنه لا يزال على قيد الحياة”.

، الإعدام في السعودية: تنفيذ العقوبة بطريقة سرّية يثير القلق بين عائلات السجناء

زر الذهاب إلى الأعلى